كشفت البيانات الاقتصادية الواردة من روسيا عن “معضلة” يواجهها نظام الرئيس، فلاديمير بوتين، حيث زادت تكاليف فاتورة الحرب في أوكرانيا مع ضعف العملة الوطنية والشعور المتنامي بالاستياء بين الروس.
وتشير وكالة أسوشيتد برس إلى أن روسيا لم تصل بعد إلى حد الأزمة لكنها تواجه أعراض “السم البطيء” جراء العقوبات الغربية التي أعقبت الغزو.
وتقول الوكالة إن محاولات روسيا تصحيح وضع العملة التي تذبذبت في الفترة الأخيرة من خلال رفع أسعار الفائدة كشفت عن “معضلة” وهي كيفية تمويل المؤسسة العسكرية مع عدم تقويض العملة الوطنية وزيادة التضخم المحرج سياسيا للنظام الروسي.
واضطر البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة لوقف تراجع الروبل إلى أدنى مستوى له منذ الأيام الأولى للحرب.
ووصلت أسعار الفائدة إلى 3.5 نقطة مئوية في محاولة لخفض التضخم، الذي قال البنك إنه بلغ 7.6 في المئة خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
وقال الرئيس الروسي، في تصريحات بثها التلفزيون للمسؤولين الحكوميين: “حجم وتعقيد المهام التي نحلها ونواصل حلها ذات طبيعة استثنائية حقا”.
ورغم محاولة طمأنة الروس بشأن الوضع في تلك التصريحات، فشل بوتين في تجنب الإشارة إلى الوضع المتردي بسبب انخفاض قيمة الروبل، وفق واشنطن بوست.
حقيقة وضع الاقتصاد الروسي.. بوتين يعترف
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الثلاثاء، إن مخاطر التضخم تتصاعد وطلب من الحكومة والبنك المركزي السيطرة على الوضع.
وقالت الصحيفة إن الارتفاع السريع في الأسعار الناجم عن انخفاض قيمة الروبل بنسبة 20 في المئة بين أوائل يونيو ومنتصف أغسطس، وضخ الحكومة الأموال لتمويل الحرب، نقل الحرب وتأثير العقوبات إلى الداخل.
وتشير الوكالة إلى ضعف العملة جراء انخفاض صادرات البلاد، فروسيا، وهي واحدة من أكبر مصدري النفط في العالم، تراجعت إيراداتها من بيع نفطها بسبب العقوبات الغربية، وهذا أدى إلى تراجع الفائض التجاري للبلاد مع بقية العالم، مع زيادة الإيرادات في الوقت ذاته.
وتبدو الحياة طبيعية في موسكو، حتى الآن، لكنها تخفي أوضاعا قاتمة، وفق تقرير أسوشيتد برس. وأشار المتقاعد فلاديمير تشيريميسيف (68 عاما) إلى أنه يشعر بالقلق ويتعرض لمتاعب صحية عندما يفكر في الأمر.
وقالت يوليانا، وهي سيدة أعمال تبلغ من العمر 38 عاما: “لقد تدهورت حالتنا بشكل حاد، وهذا ليس جيدا. … لن ينتهي الأمر اليوم ولا غدا، وليس بعد غد. أعتقد أن أكثر من جيل واحد سيدفع ثمن هذه القصة”.
وقال أندريه لافروف، صاحب عيادة لطب الأسنان، إنه اضطر إلى الحصول على الغرز والسيليكون من آسيا لأنه يستخدم “الكثير” من المواد المستوردة.
وأضاف: “لكن بالمناسبة لم تحدث كارثة… إذا نفذ شيء ما، من السهل استبداله من خلال قنوات متوازية”.
وتشير الوكالة إلى زيادة الواردات إلى روسيا من دول مجاورة مثل كازاخستان وأرمينيا، وتقول إن نقص العمالة الناجم عن مغادرة الأفراد للبلاد يدعم الرواتب، في حين تساعد القروض العقارية المدعومة من الحكومة في الحفاظ على النشاط العقاري.
لكن بعض الضربات التي يتعرض لها الاقتصاد واضحة، وخاصة صناعة السيارات بعد أن خرجت الشركات الغربية من روسيا، وأصبح السفر إلى الخارج باهظ الثمن بسبب حظر التأشيرات وشركات الطيران.
ورغم أن الاقتصاد الروسي لم يواجه “كارثة” بعد، قال روبن بروكس، كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي، إنه على المدى الطويل، يواجه الاقتصاد الروسي “احتراقا بطيئا” تحت ضغط العقوبات وإنفاق بوتين على الحرب.
كانت مجموعة السبع قد حددت “سقفا” لسعر النفط الروسي، ويعتقد بروكس أن المجموعة تستطيع جعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لبوتين بخفض هذا السقف من 60 دولارًا إلى 50 دولارا، ما يقلل من عائدات روسيا من النفط.
وأضاف أن ذلك “سيضع المزيد من الضغوط على الروبل، وسيضع المزيد من الضغوط على البنك المركزي الروسي لرفع أسعار الفائدة”.
وقالت جانيس كلوغ، الخبيرة الاقتصادية في البنك الدولي، إن رفع أسعار الفائدة لتعزيز الروبل “يؤدي إلى خنق الاقتصاد غير المرتبط بالحرب، من أجل توفير موارد كافية لاستمرار الحرب”.
وترى أن “خيارات بوتين ستؤدي على المدى الطويل إلى تآكل النمو الاقتصادي، وستزيد من الضغط على الروبل على المدى الطويل. وبدون الاستثمار الأجنبي اللازم لتصنيع السلع المعقدة، فإن روسيا ستنتج أقل مما تحتاجه بمفردها وستستورد المزيد”.
وترى أن: “هذا يعني أنه في المستقبل، لن يتمكن المواطنون الروس من عيش نفس أسلوب الحياة الذي كانوا عليه في السنوات الماضية”.
وأضافت: “لقد كان الشعب الروسي يعزل نفسه عن هذه التطورات السياسية، لكن معدل التضخم أمر لا يمكنهم عزل أنفسهم عنه، لأنه يتعين عليهم أن يدفعوا ثمنه… هكذا تتدخل السياسة في حياتهم، وهذا هو الجزء الذي يثير قلق القيادة الروسية. لأنه لا توجد دعاية ستجعل هذا الأمر يختفي”.
قبل زيادة الرواتب التي أقرها رئيس النظام السوري، بشار الأسد، كان راتب المدّرس السوري، بهاء، يشتري له علبتي حليب فقط لطفله الرضيع، بعيدا عن أي احتياجات أساسية أخرى، وبعد الإعلان عن المرسوم الرئاسي لم تتغير القوة الشرائية لما يستلمه في الشهر.
و”قبل الزيادة كانت العلبة بـ50 ألف وبعدها وصلت إلى 100 ألف وقد تتجاوز ذلك”، حسب ما يقول لموقع “الحرة”.
من 125 ألف ليرة في الشهر الواحد إلى 250 ألف تضاعف راتب المدّرس المقيم في مدينة حمص وسط البلاد بموجب المرسوم، ورغم أن الصورة التي تبدو عليها هذه المضاعفة “كبيرة” تعتبر “ضئيلة في الحقيقة وعلى أرض الواقع”، و”عند قياس الرقم بالدولار والأسعار التي تواصل التحليق دون استقرار”، وفق ما يضيف.
“قد يسأل الكثيرون كيف نعيش؟ كما يقال محليا من قلّة الموت!”، يتابع بهاء الذي فضّل عدم ذكر اسمه لاعتبارات أمنية متسائلا ويجيب بأسلوب ساخر في آن واحد.
ويشير إلى أن “الكارثة التي يعيشها المواطنون في مناطق سيطرة النظام السوري لا يتخيلها عقل، وقد تدفع كثيرين إلى حد الجنون والانتحار!”.
ولم يأت مرسوم رفع الرواتب إلى الضعف من جانب الأسد دون مقدمات بل توازى معه قرار آخر أصدرته “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك” في حكومته، وقضى برفع الدعم عن مادتي البنزين والمازوت، وهو ما أشعل شرارة شعبية كان مسرحها خلال الأيام الماضية محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية.
وفي حين ردد المحتجون للأسبوع الثاني على التوالي شعارات بمطالب معيشية وسياسية لم يقدم النظام السوري أي بادرة إيجابية، وعلى العكس أصدرت الوزارة ذاتها قرارا آخرا، الأحد.
وقضى القرار برفع آخر لسعر البنزين والمازوت “الحر” الذي يباع في الأسواق، وهو ما اعتبر ردا غير مباشرا على نداءات الشارع.
ونادرا ما تتطرق الحكومة التابعة للنظام إلى معادلة القياس المتعلقة بالراتب الذي تمنحه للموظفين وما تحتاجه العائلة بشكل يومي، فيما التزام الوزراء فيها خلال الأشهر الماضية على مسار واحد لـ”توصيف الكارثة دون تقديم أي حلول”.
يعادل راتب المدرس بهاء الشهري (16 دولار أميركيا) بحسب سعر صرف السوق الموازي (الدولار يساوي 15 ألف ليرة).
وفي حال أراد الاستغناء عن علبتي الحليب، فقد يشتري له هذا المبلغ “بشق الأنفس” أساسيات طبخة واحدة تتكون من “كيلو واحد من لحم الغنم، 2 كيلو من الأرز، علبة سمن، كيلو من البطاطا وكيلو آخر من الطماطم وربطة خبز”.
ويقول: “قد يزيد في جيبي 20 ألف ليرة لا تكفي لشراء بعض البسكويت والشيبس لأطفالي”.
ويتراوح سعر كيلو لحم الغنم في العاصمة دمشق ومحافظات سورية أخرى ما بين 100 و125 ألف ليرة، بينما ارتفع سعر كيلو الأرز في أعقاب الزيادة إلى 17 ألف بعدما كان في الأسواق 8 آلاف.
في غضون ذلك يصل سعر كيلو الغرام الواحد من البطاطا إلى 4500 ليرة سورية والطماطم إلى 3500، فيما يصل سعر ربطة الخبز الواحدة إلى 3 آلاف ليرة سورية.
وهذه الأرقام وعند قياسها بالإيجار اليومي الذي يتقاضاه الشاب السوري محمد “لا تساوي شيئا”، ما اضطره إلى استنفار جميع أفراد العائلة للعمل في “مهنة الفعالة (العمل في الأراضي بشكل يومي)”، وذلك في إحدى القرى التابعة لمدينة حماة الواقعة إلى الشمال من مدينة حمص.
ويتراوح إيجار ساعة العمل الواحدة التي يتقاضاها محمد لقاء عمله في قطاف ثمرة اللوز ما بين 2500 ليرة سورية و4 آلاف.
ويقول لموقع “الحرة”: “أعمل طوال اليوم لمدة سبع ساعات. وفي النهاية أحصل على 21 ألف ليرة أي ما يساوي دولار أميركي ونصف”.
“21 ألف ليرة أو دولار ونصف تشتري لي كيلو سكر يبلغ سعره 17 ألف ليرة ونصف علبة من الشاي بـ7 آلاف (ظروف)”، ويضيف الشاب: “نعمل ونآكل في كل يوم بيومه. أنا وأفراد عائلتي الأربعة يصل إيجارنا اليومي فقط إلى 4 دولارات!”.
وتابع: “كيلو اللوز الذي نقطفه يعادل سعره 100 ألف ليرة. تخيل أنني بحاجة للعمل 5 أيام تحت الشمس حتى أحصّل ثمنه”.
“رفع دعم قادم”
ويحمّل النظام السوري دائما الدول الغربية والولايات المتحدة المسؤولية بالوقوف وراء الكارثة المعيشية الحاصلة، ويقول إن العقوبات التي استهدفته “تزيد فصلا جديدا إلى الحرب والحصار الذي يتعرض له”.
لكن الدول الغربية وعلى رأسها أميركا لطالما أكدت أن العقوبات لا تستهدف القطاعات الحيوية التي تخدّم المواطنين وتشكل أساس الحياة لهم، وبالتوازي من ذلك يعلي المحتجون في السويداء الصوت ضد الأسد ونظامه، مشددين على أن السياسة الخاصة به سواء الأمنية أو الاقتصادية، هي التي أوصلت البلاد إلى هذا الحال.
وحتى الآن لا توجد أي بوادر لتحسين الأوضاع المعيشية للسكان من جانب النظام السوري وحكومته، وعلى العكس نقلت “إذاعة المدينة إف إم” التي تبث من دمشق، الأربعاء، عن مصادر لم تسمها أن “وزارة التجارة الداخلية بصدد رفع الدعم عن المواد التموينية اعتبارا من بداية شهر سبتمبر المقبل”.
وأوضحت المصادر أنه “سيحق لكل عائلة الحصول على كيلو رز بقيمة 17000 ليرة، وكيلو سكر بقيمة 13000 ليرة، بشكل مباشر دون التسجيل أو انتظار الدور”.
كما لا توجد أي بوادر من جانب النظام للانخراط في مسارات الحل السياسي في البلاد، على رأسها القرار 2254 الذي أصدره مجلس الأمن في عام 2015، ويحدد خطوات الانتقال السياسي.
“كارثة بالأرقام”
وكان رفع أسعار المحروقات قد انعكس بصورة “مستشرسة” على الأسواق، إذ تضاعفت أسعار السلع بكافة أنواعها، وكذلك الأمر بالنسبة للخضراوات التي يحتاجها المواطنون بشكل يومي.
ولم يقتصر هذا الانعكاس على ما سبق بل شهدت المحافظات السورية حالة من الشلل الكامل، بسبب توقف وسائل النقل عن العمل بناء على الإرباك الحاصل في تحديد التسعيرة الجديدة.
ويورد تقرير لـ”مؤشر قاسيون”، صدر في 20 من أغسطس الحالي، أن متوسط تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد قفز في أعقاب القرارات الأخيرة لحكومة النظام إلى أكثر من 10.3 مليون ليرة سورية، بينما ارتفع الحد الأدنى للأجور ظاهريا ليصل إلى (185.940 ليرة سورية – أقل من 12.6 دولار شهريا).
وفي حين كان الحد الأدنى للأجور في بداية عام 2023 (92.970 ليرة) قادرا على تغطية حوالي 2.3 بالمئة من متوسط تكاليف المعيشة، أصبح الآن وبعد “ارتفاعه اسميا” بنسبة 100 بالمئة (185.940 ليرة)، وغير قادر سوى على تغطية 1.7 بالمئة من متوسط تكاليف المعيشة، وذلك نتيجة الارتفاعات المبدئية للأسعار التي لم تنته وتستقر بعد.
وعلى مدى الأيام الماضية طالت ارتفاعات الأسعار مكونات سلة الغذاء كلها دون استثناء، وفق المؤشر المحلي المذكور.
وجاءت أسعار اللحوم (اللحوم الحمراء والدجاج) في صدارة الارتفاعات، بحوالي 73.0 بالمئة، حيث قفز سعر الـ75 غرام منها من 5,700 ليرة في بداية يوليو إلى 9,863 ليرة في النصف الثاني من أغسطس.
وارتفعت أسعار الحلويات بمقدار 60.0 بالمئة عن حسابات شهر يوليو، إذ تجاوزت تكلفة 112 غرام حلويات ضرورية للفرد يوميا 8.400 ليرة، بارتفاع من حد 5,250 ليرة.
وكذلك الحال بالنسبة للجبن الذي ارتفع سعر 25 غرام منه بمقدار 28.9 بالمئة منتقلا من 563 ليرة في بداية يوليو إلى 725 ليرة حاليا.
كما ارتفعت أسعار الفواكه بنسبة 38.1 بالمئة، إذ انتقل سعر 60 غرام منها من 1.400 ليرة في بداية يوليو إلى 1.933 ليرة حاليا.
أما الأرز، فقد ارتفع بحوالي 58.1 بالمئة، منتقلا ثمن 70 غرام منه يوميا من 1.505 ليرة في بداية يوليو إلى 2.380 ليرة في النصف الثاني من أغسطس الحالي.
ويوضح الصحفي الاقتصادي، مختار الإبراهيم أن النظام السوري وحكومته قابلا الاحتجاجات التي بدأت بسقف منخفض في السويداء “برفع الأسعار” للمرة الثانية خلال أسبوعين.
ويقول الإبراهيم لموقع “الحرة”: “هناك واحد من احتمالين إما النظام لم يعد يملك أي فرصة لكبح الأسعار لا تحسينها، أو أنه يمّعن في الحلول التي اتبعها منذ 2011”.
و”حلول 2011 تقوم على عدم الانحناء للعاصفة ومقابلة أي مطالب شعبية بالمزيد من التعنت وعدم التنازل والاستنكار”، حسب تعبير المتحدث.
ومع ذلك يرجح أن “النظام لا يملك أي ورقة لكبح الأسعار”، وأن “الرفع سيستمر من أجل جذب المزيد من الأموال في الشارع”.
“اليوم راتب الموظف وبشكل وسطي يقدر بـ 250 ألف وعلبة حليب الأطفال يبلغ سعرها 100 ألف وتكفي الطفل 3 أيام فقط”.
ويتابع الإبراهيم أن “العائلة التي لديها طفل واحد يكفيها الراتب فقط لبضعة أيام من أجل شراء الحليب، بعيدا عن أي مستلزمات أخرى من أكل وشرب وأدوية وباقي المصاريف”، وهو ما يضطرها “لابتكار حلول لدفع إيجار المنزل والفواتير”.
“رزم ينثرها الدولار”
ولا تقتصر الكارثة المعيشية الحاصلة في سوريا على فئة مجتمعية دون أخرى، بل “تضرب الجميع” وفق قول، باسل الشيخ، وهو ممرض يعمل في إحدى مشافي العاصمة دمشق، مضيفا: “الراتب الشهري لكل العاملين يتبخر قبل وصوله إلى الجيب”.
وفي كل دول العالم يقابل قرار رفع الرواتب “بمشاعر من الفرح والسرور”، لكن في سوريا “الأمر مختلف وبالعكس”، ويتحدث باسل الذي بات مرتبه الشهري يعادل 300 ألف ليرة سورية عن “رزم من الورق ينثرها واقع الحياة بالدولار”.
ووصلت قيمة الليرة السورية في سوق العملات الأجنبية وبحسب سعر صرف السوق الموازي إلى حاجز 15 ألف مقابل الدولار الأميركي الواحد.
وعند قياس الراتب بالليرة مع مسار الدولار “تتضح الصورة التي يعرفها السوريون أكثر من باقي الشعوب”، وفق ما يوضح باسل لموقع “الحرة”.
وفي نهاية عام 2010 استقر متوسط الراتب الحكومي في سوريا عند حد 8 آلاف ليرة سورية، أي ما يقارب في ذلك الوقت 170 دولارا أميركيا (كان الدولار يساوي 47 ليرة سورية).
أما اليوم في عام 2023 وفي أعقاب الزيادة بات متوسط الراتب الذي يصل إلى 250 ليرة سورية يساوي 16 دولارا أميركيا واحدا (1 دولار يساوي 15 ألف ليرة سورية).
في غضون ذلك بلغ سعر غرام الذهب عيار 21 قيراطا نهاية 2010 1805 ليرات سورية (نحو 38 دولارا)، بينما يبلغ حاليا 730 ألف ليرة (نحو 54 دولارا).
ويتابع باسل: “الناس لا تعرف كيف تتدبر أمورها. هناك من يعمل 3 أعمال في اليوم ولا يعود إلى منزله لآخر الليل وآخرون يعتمدون على حوالات الخارج، ومع ذلك غير قادرين حتى الآن على مواكبة لهيب الأسعار”.
ويطرح الممرض مثلا إلى جانب الأمثلة المذكورة سابقا، بأن راتبه الشهري في الوقت الحالي يشتري مع بداية العام الدراسي “حقيبتان لطفليه الاثنين بقيمة 200 ألف ليرة وبعض الدفاتر وأقلام الحبر والرصاص”.
وفي مارس الماضي كان “برنامج الأغذية العالمي” قال إن حوالي 12.1 مليون شخص في سوريا، أي أكثر من نصف عدد السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي، مما يجعلها من بين البلدان الستة التي تعاني من أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي في العالم.
ويعزى هذا التدهور في الأمن الغذائي إلى أسباب عدة، بينها اعتماد البلاد الشديد على الواردات الغذائية، بعدما كانت تتمتع باكتفاء ذاتي في إنتاج الغذاء في الحقبة الماضية.
وبحسب “برنامج الأغذية العالمي”، فإن متوسط الأجر الشهري في سوريا يغطي حاليا حوالي ربع الاحتياجات الغذائية للأسرة فقط، وتظهر أحدث البيانات أن سوء التغذية آخذ في الارتفاع، مع وصول معدلات التقزم بين الأطفال وسوء التغذية لدى الأمهات إلى مستويات غير مسبوقة.
ويشير الصحفي الإبراهيم إلى أن “الدراسات الأممية تقول إن 95 بالمئة من السوريين باتوا تحت خط الفقر وأكثر من نصفهم وصل للفقر المدقع، أي لا يملك قوت يومه في منزله”.
ويقول: “الناس وصلت لمرحلة مأساوية من الفقر المدقع. الذي يقيم في خارج سوريا قد لا يصدق الكلام لكن بالفعل هناك عائلات لا تملك قوت يومها، وهو ما أدى الانفجار في السويداء ومن المحتمل أن ينفجر في باقي المحافظات”.
كيف يعيش السوريون؟
ربما يكون السؤال الأكثر تدولا في ظل تداعيات الكارثة المعيشية الحاصلة هو: “كيف يستطيع السوريون تدبير أمورهم”؟
ويعتقد الصحفي الإبراهيم أنه “ورغم اعتماد الكثير من السكان على أكثر من عمل والحوالات القادمة من اللاجئين في الخارج إلا أن الـ100 دولار العابرة إلى داخل البلاد لم تعد تساوي شيئا”.
ويوضح: “قوة الفئة المذكورة من العملة الدولارية في الخارج أكبر من قيمتها في الداخل السوري، بسبب نقص المواد”.
ويقول إن أغلب الموظفين “يفكرون في الطريقة التي يمكن أن يتخلصوا فيها من وظائف الدولة دون أي تبعات قانونية.. الوظيفة باتت عبء.. لا يوجد مواصلات.. الجلوس في المنزل وانتظار خل آخر بات أكثر جدوى من الذهاب إلى العمل”.
ويوضح الباحث الاقتصادي السوري، كرم شعار أن “مستوى الأسعار في سوريا ارتفع أكثر من 30 ضعفا في الحد الأدنى ومنذ عام 2011 وحتى اليوم”.
ويقول شعار لموقع “الحرة”: “ما يحصل في سوريا أن النظام السوري يعمل على إعادة توزيع الثروة بشكل غير مباشر، من خلال توزيع تكاليف التضخم على فئات متنوعة في البلاد وبنسب مختلفة”.
وتعود هذه السياسة بالضرر الأكبر على الموظفين الحكوميين، إذ يضيف الباحث أن “الحكومة وعندما تحاول أن تكبح جماح التضخم فإن الهدف الأساسي السهل لها هو القطاع العام والعاملين فيه”.
“هؤلاء يمكن أن يعيشوا ظروفا أبشع وفيها ذل أكبر، دون أن يؤثروا كثيرا على النظام السوري ووجوده”.
في المقابل يرى الباحث أن “ما يعرفون بالشبيحة الذين يحملون الأسلحة وقاتلوا إلى جانب القوات الرسمية تكون عملية إرضائهم ذات أهمية كبيرة”، وأن “هؤلاء على مقدرة على أن يحصّلوا مستويات دخل أكبر قياسا بالموظفين العاديين”.
وسبق وأن أشارت دراسة للباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، محسن مصطفى إلى أن الموظفين في سوريا لا يعتمدون على رواتبهم التي لا تكاد تكفي عدة أيام، بل على مصادر دخل متنوعة.
ومن هذه المصادر: الحوالات المالية القادمة من الخارج، أو العمل بوظيفة ثانية في القطاع الخاص، بالإضافة لذلك قد يمتد الاعتماد على مصادر دخل غير مشروعة نتيجة الفساد المالي والرشاوى في الدوائر والمؤسسات الحكومية.
وتظهر سياسة النظام بما يتعلق بالرواتب، بأنها “دافعة نحو عسكرة المجتمع وتحويل العسكرة لمهنة كبقية المهن، وهو ما تم فعلا من خلال التعاقد معهم كمرتزقة ضمن الميليشيات أو إرسال المرتزقة إلى مناطق نزاع مسلح تحت إشراف روسي”.
وهي “دافعة أيضا نحو الهجرة، تُضاف لمجموعة من العوامل الأخرى الدافعة لها، خصوصا لأولئك المتعلمين وأصحاب الشهادات العلمية”.
في سابقة من نوعها في المجال الطبي، أخرج جراحون دودة حية من دماغ امرأة أسترالية، وتطرح هذه “الحالة الاستثنائية” تساؤلات حول كيفية انتقال الديدان إلى جسم الإنسان، والمخاطر والعلاجات المتوفرة.
واكتشف أطباء بمستشفى كانبيرا في أستراليا، دودة حية يبلغ طولها 8 سنتيمترات من دماغ كانت تعيش داخل دماغ امرأة، قامت جرّاحة الأعصاب، هاري بريا باندي، بسحبها مما أصاب العاملين في المستشفى بـ”الدهشة”، وفقا لصحيفة “الغارديان”.
وعن كيفية حدوث ذلك، يوضح مستشار علاج الأمراض المعدية، الدكتور ضرار بلعاوي، إن هذه الدودة ربما دخلت إلى جسم المرأة عن طريق الطعام.
ويوضح في حديثه لموقع “الحرة” أن “هذا النوع من الديدان موجود في الثعابين، والمرأة تعيش قرب بحيرة مليئة بهذه الثعابين، وقد تكون هذه الثعابين قد أخرجت بيوض هذه الديدان بين الأعشاب”.
وأضاف أن “المريضة بطريقة أو بأخرى قد تكون جالسة على العشب، أو لمسته ووصلت البيوض إلى يدها، وقد تكون تناولت الطعام دون غسل يديها، وبالتالي دخلت هذه البيوض إلى جسمها وتحولت إلى يرقات”.
وتابع أن “اليرقات تكبر في الجسم، ويمكن أن تنتقل إلى الدماغ وقد تدخل عبر جريب (سيست) وتبقى موجودة هناك، وقد لا يظهر على المريض عوارض لشهور وسنوات مثلما حصل مع المرأة الأسترالية”.
وأدخلت المريضة، وهي بعمر 64 عاما، مستشفى محلي في نيو ساوث ويلز، في أواخر يناير 2021، بسبب آلام في البطن وإسهال وسعال جاف مستمر وحمى وتعرق ليلي. وتفاقمت الأعراض في 2022 لتشمل النسيان والاكتئاب.
وعلى إثر ذلك، أدخلت مستشفى كانبيرا، حيث كشفت فحوص الرنين المغناطيسي لدماغها عن وجود تشوهات تتطلب عملية جراحية. وخلال العملية، تم العثور على هذه “المفاجأة الطبية”.
وأرسلت الدودة التي عثر عليها إلى أحد العلماء المتخصصين الذي أكد أنها من نوع “Ophidascaris robertsi” التي تتواجد في الثعابين، وتبين أن المريضة كانت تعيش قرب بحيرة تنتشر فيها أنواع من الأفاعي.
وقال طبيب الأمراض المعدية في المستشفى، سانجايا سيناناياكي، “المريضة لم تتصل مباشرة بالثعابين، لكنها كانت تجمع الأعشاب من البحيرة لاستخدامها في الطهي”.
ورجح الأطباء والعلماء الذين درسوا حالتها أن “الدودة ربما وصلتها من خلال براز الثعابين في العشب”.
وأشار سيناناياكي إلى أن “المريضة تتعافى بشكل جيد، ولاتزال تخضع لرقابة طبية منتظمة”، مؤكدا أن “حالتها تسلط الضوء على محخاطر انتقال العدوى من الحيوانات إلى البشر”.
حالات مشابهة
ولفت الدكتور بلعاوي إلى حالات مشابهة لدخول ديدان إلى أجسام البشر، مؤكدا “توثيق ذلك في عالم الطب”.
وقال مستشار علاج الأمراض المعدية إن “هذه الدودة في الدماغ هي أول حالة في العالم، ولكن هناك ديدان تصيب الإنسان”.
وأوضح أن “الديدان قد تصيب الإنسان في الجهاز الهضمي مثلا، وتوجد أدوية وعلاجات لمثل هذه الحالات، ويمكن أن تنتقل هذه الديدان إلى الكبد، إذا لم يتم القضاء عليها”.
وأضاف أن “هناك الكثير من أنواع الديدان (…) والانتقال عادة يتم عن طريق الطعام الملوث، أو أن اليد قد تكون ملوثة (…) ويتم تناول الطعام دون غسل، وعندها يحصل الانتقال عبر الجهاز الهضمي وتبدأ حياة الدودة”.
المخاطر
وسلطت هذه الحادثة الضوء على مخاطر انتقال أنواع نادرة من عدوى الحيوانات والحشرات إلى البشر، مما يتسبب في مشكلات صحية، ربما تأخذ وقتا طويلا قبل اكتشاف مصدرها.
ويقول بلعاوي إن “المخاطر الصحية قد تشمل التهابات في الجهاز الهضمي، والتهابات في الكبد قد تؤدي إلى الفشل، ومشاكل في الدماغ (مثل حالة المرأة الأسترالية)، وقد يؤدي ذلك إلى مضاعفات في الجهاز العصبي”.
وأوضح أن هذه المضاعفات “تشمل الاكتئاب والصرع وحتى العمى، والمخاطر قد تصل حد التسبب في الموت”.
الخنفساء تصيب البشر
ومن بين الحالات النادرة التي أشار إليها الأطباء في تقرير منفصل لصحيفة “الغارديان” حالة رضيعة بعمر 8 أشهر في الصين، أصيبت عام 2016 بمرض canthariasis الناتج عن الخنافس.
وهي حالة قال الأطباء إنها تحدث عند مهاجمة يرقات الخنفساء للإنسان عن طريق الجهاز الهضمي أو الجهاز البولي والتناسلي والجيوب الأنفية والأذنين.
وكانت الرضيعة تشعر بالتعب الشديد واحتار الأطباء في أمرها، ثم عثروا على ديدان في برازها، ومع إجراء المزيد من الفحوص تبين أنها اليرقة المعروفة باسم “حشرة السجائر”، وتعرف علميا باسم Lasioderma serricorne، وهي تتغذى على التبغ والحبوب.
ورجح العلماء انتقالها إلى الفتاة الرضيعة بسبب ملامستها للطين أو تناولها البرتقال.
وعلى الرغم من ندرته، فإن مضاعفات هذا المرض تبقى خطيرة، خاصة بالنسبة للرضع وكبار السن.
دودة.. من الماشية إلى الإنسان
وفي حالة أخرى، اكتشفت امرأة من ولاية أوريغون الأميركية، في 2018، إصابتها بديدان في العين كان يعرف أنها تنتشر فقط في الماشية.
وعانت المرأة من تهيج في عينيها لمدة أسبوع، بعد ركوبها الخيل في مكان لتربية الماشية. وبعد طلب المساعدة الطبية تمت إزالة 14 دودة تسمى “Thelazia gulosa” يبلغ طول كل منها حوالي سنتيمتر.
الدكتور، ريتشارد برادبري، المؤلف الرئيسي للدراسة التي أبلغت عن الحالة، قال: “هذه المرة الـ11 فقط التي يصاب فيها شخص بديدان العين في أميركا الشمالية.. لكن هذا نوع جديد لم يصب البشر من قبل. إنها دودة ماشية انتقلت بطريقة ما إلى جسم الإنسان”.
“ديدان الفئران”
وفي حالة أخرى،أصيب مريض بعمر 24 عاما في ولاية هاواي بآلام شديدة في المفاصل والغثيان بعد تناول الكرنب (الملفوف) من حديقته.
وتبين أن السبب وراء مرضه يعود إلى إصابته بـ”ديدان الأسطوانية”، التي تتواجد عادة في الأوعية الدموية لرئة الفئران، مما أعطاها لقب “دودة رئة الفئران”.
وتعيش الدودة التي تنتشر في جنوب شرق آسيا وجزر المحيط الهادئ الإستوائية، في القوارض فقط، لكن يرقاتها يمكن أن تصيب الكائنات الحية مثل الرخويات والقواقع.
وإذا أكل البشر من هذه العوائل الوسيطة، يمكن أن تنتقل اليرقات إلى الإنسان، وتسبب له مشكلات في الدماغ والحبل الشوكي.
“داء النغف”
ويعد المرض المعروف بـ”داء النغف” نادر الحدوث، لكن تم اكتشافه من قبل بين أشخاص سافروا إلى المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية.
ويصيب هذا الداء الجلد نتيجة غزو يرقات أنواع مختلفة من الذباب الجلد أو مناطق أخرى من الجسم، مثل الأنف، والأذن، والعين، والمعدة، وهو مرض بالأصل حيواني، لكنه أصبح يُصيب الإنسان، ويُسبب له العديد من المشكلات الجلدية.
وتشير الغارديان إلى حالة إزالة 3 ذبابات حية، يبلغ حجم كل منها سنتيمترين، من عين امرأة وذراعها ورقبتها، بعد معاناتها من تورم العين لمدة أربعة أسابيع بعد زيارتها غابات الأمازون.
العلاجات
وأكد بلعاوي أن “العلاجات موجودة في حال اكتشاف إصابة الإنسان بالديدان، وبداية العلاج قد تكون سهلة وسريعة، وخلال مدة قصيرة نسبيا”.
وأضاف “إذا كانت الحالة متفاقمة ووصلت الدودة إلى الكبد أو الدماغ مثلا، قد يحتاج العلاج إلى فترات أطول، وقد تكون هناك حاجة إلى إجراء عمليات جراحية”.
قبل زيادة الرواتب التي أقرها رئيس النظام السوري، بشار الأسد، كان راتب المدّرس السوري، بهاء، يشتري له علبتي حليب فقط لطفله الرضيع، بعيدا عن أي احتياجات أساسية أخرى، وبعد الإعلان عن المرسوم الرئاسي لم تتغير القوة الشرائية لما يستلمه في الشهر.
و”قبل الزيادة كانت العلبة بـ50 ألف وبعدها وصلت إلى 100 ألف وقد تتجاوز ذلك”، حسب ما يقول لموقع “الحرة”.
من 125 ألف ليرة في الشهر الواحد إلى 250 ألف تضاعف راتب المدّرس المقيم في مدينة حمص وسط البلاد بموجب المرسوم، ورغم أن الصورة التي تبدو عليها هذه المضاعفة “كبيرة” تعتبر “ضئيلة في الحقيقة وعلى أرض الواقع”، و”عند قياس الرقم بالدولار والأسعار التي تواصل التحليق دون استقرار”، وفق ما يضيف.
“قد يسأل الكثيرون كيف نعيش؟ كما يقال محليا من قلّة الموت!”، يتابع بهاء الذي فضّل عدم ذكر اسمه لاعتبارات أمنية متسائلا ويجيب بأسلوب ساخر في آن واحد.
ويشير إلى أن “الكارثة التي يعيشها المواطنون في مناطق سيطرة النظام السوري لا يتخيلها عقل، وقد تدفع كثيرين إلى حد الجنون والانتحار!”.
ولم يأت مرسوم رفع الرواتب إلى الضعف من جانب الأسد دون مقدمات بل توازى معه قرار آخر أصدرته “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك” في حكومته، وقضى برفع الدعم عن مادتي البنزين والمازوت، وهو ما أشعل شرارة شعبية كان مسرحها خلال الأيام الماضية محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية.
وفي حين ردد المحتجون للأسبوع الثاني على التوالي شعارات بمطالب معيشية وسياسية لم يقدم النظام السوري أي بادرة إيجابية، وعلى العكس أصدرت الوزارة ذاتها قرارا آخرا، الأحد.
وقضى القرار برفع آخر لسعر البنزين والمازوت “الحر” الذي يباع في الأسواق، وهو ما اعتبر ردا غير مباشرا على نداءات الشارع.
ونادرا ما تتطرق الحكومة التابعة للنظام إلى معادلة القياس المتعلقة بالراتب الذي تمنحه للموظفين وما تحتاجه العائلة بشكل يومي، فيما التزام الوزراء فيها خلال الأشهر الماضية على مسار واحد لـ”توصيف الكارثة دون تقديم أي حلول”.
يعادل راتب المدرس بهاء الشهري (16 دولار أميركيا) بحسب سعر صرف السوق الموازي (الدولار يساوي 15 ألف ليرة).
وفي حال أراد الاستغناء عن علبتي الحليب، فقد يشتري له هذا المبلغ “بشق الأنفس” أساسيات طبخة واحدة تتكون من “كيلو واحد من لحم الغنم، 2 كيلو من الأرز، علبة سمن، كيلو من البطاطا وكيلو آخر من الطماطم وربطة خبز”.
ويقول: “قد يزيد في جيبي 20 ألف ليرة لا تكفي لشراء بعض البسكويت والشيبس لأطفالي”.
ويتراوح سعر كيلو لحم الغنم في العاصمة دمشق ومحافظات سورية أخرى ما بين 100 و125 ألف ليرة، بينما ارتفع سعر كيلو الأرز في أعقاب الزيادة إلى 17 ألف بعدما كان في الأسواق 8 آلاف.
في غضون ذلك يصل سعر كيلو الغرام الواحد من البطاطا إلى 4500 ليرة سورية والطماطم إلى 3500، فيما يصل سعر ربطة الخبز الواحدة إلى 3 آلاف ليرة سورية.
وهذه الأرقام وعند قياسها بالإيجار اليومي الذي يتقاضاه الشاب السوري محمد “لا تساوي شيئا”، ما اضطره إلى استنفار جميع أفراد العائلة للعمل في “مهنة الفعالة (العمل في الأراضي بشكل يومي)”، وذلك في إحدى القرى التابعة لمدينة حماة الواقعة إلى الشمال من مدينة حمص.
ويتراوح إيجار ساعة العمل الواحدة التي يتقاضاها محمد لقاء عمله في قطاف ثمرة اللوز ما بين 2500 ليرة سورية و4 آلاف.
ويقول لموقع “الحرة”: “أعمل طوال اليوم لمدة سبع ساعات. وفي النهاية أحصل على 21 ألف ليرة أي ما يساوي دولار أميركي ونصف”.
“21 ألف ليرة أو دولار ونصف تشتري لي كيلو سكر يبلغ سعره 17 ألف ليرة ونصف علبة من الشاي بـ7 آلاف (ظروف)”، ويضيف الشاب: “نعمل ونآكل في كل يوم بيومه. أنا وأفراد عائلتي الأربعة يصل إيجارنا اليومي فقط إلى 4 دولارات!”.
وتابع: “كيلو اللوز الذي نقطفه يعادل سعره 100 ألف ليرة. تخيل أنني بحاجة للعمل 5 أيام تحت الشمس حتى أحصّل ثمنه”.
“رفع دعم قادم”
ويحمّل النظام السوري دائما الدول الغربية والولايات المتحدة المسؤولية بالوقوف وراء الكارثة المعيشية الحاصلة، ويقول إن العقوبات التي استهدفته “تزيد فصلا جديدا إلى الحرب والحصار الذي يتعرض له”.
لكن الدول الغربية وعلى رأسها أميركا لطالما أكدت أن العقوبات لا تستهدف القطاعات الحيوية التي تخدّم المواطنين وتشكل أساس الحياة لهم، وبالتوازي من ذلك يعلي المحتجون في السويداء الصوت ضد الأسد ونظامه، مشددين على أن السياسة الخاصة به سواء الأمنية أو الاقتصادية، هي التي أوصلت البلاد إلى هذا الحال.
وحتى الآن لا توجد أي بوادر لتحسين الأوضاع المعيشية للسكان من جانب النظام السوري وحكومته، وعلى العكس نقلت “إذاعة المدينة إف إم” التي تبث من دمشق، الأربعاء، عن مصادر لم تسمها أن “وزارة التجارة الداخلية بصدد رفع الدعم عن المواد التموينية اعتبارا من بداية شهر سبتمبر المقبل”.
وأوضحت المصادر أنه “سيحق لكل عائلة الحصول على كيلو رز بقيمة 17000 ليرة، وكيلو سكر بقيمة 13000 ليرة، بشكل مباشر دون التسجيل أو انتظار الدور”.
كما لا توجد أي بوادر من جانب النظام للانخراط في مسارات الحل السياسي في البلاد، على رأسها القرار 2254 الذي أصدره مجلس الأمن في عام 2015، ويحدد خطوات الانتقال السياسي.
“كارثة بالأرقام”
وكان رفع أسعار المحروقات قد انعكس بصورة “مستشرسة” على الأسواق، إذ تضاعفت أسعار السلع بكافة أنواعها، وكذلك الأمر بالنسبة للخضراوات التي يحتاجها المواطنون بشكل يومي.
ولم يقتصر هذا الانعكاس على ما سبق بل شهدت المحافظات السورية حالة من الشلل الكامل، بسبب توقف وسائل النقل عن العمل بناء على الإرباك الحاصل في تحديد التسعيرة الجديدة.
ويورد تقرير لـ”مؤشر قاسيون”، صدر في 20 من أغسطس الحالي، أن متوسط تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد قفز في أعقاب القرارات الأخيرة لحكومة النظام إلى أكثر من 10.3 مليون ليرة سورية، بينما ارتفع الحد الأدنى للأجور ظاهريا ليصل إلى (185.940 ليرة سورية – أقل من 12.6 دولار شهريا).
وفي حين كان الحد الأدنى للأجور في بداية عام 2023 (92.970 ليرة) قادرا على تغطية حوالي 2.3 بالمئة من متوسط تكاليف المعيشة، أصبح الآن وبعد “ارتفاعه اسميا” بنسبة 100 بالمئة (185.940 ليرة)، وغير قادر سوى على تغطية 1.7 بالمئة من متوسط تكاليف المعيشة، وذلك نتيجة الارتفاعات المبدئية للأسعار التي لم تنته وتستقر بعد.
وعلى مدى الأيام الماضية طالت ارتفاعات الأسعار مكونات سلة الغذاء كلها دون استثناء، وفق المؤشر المحلي المذكور.
وجاءت أسعار اللحوم (اللحوم الحمراء والدجاج) في صدارة الارتفاعات، بحوالي 73.0 بالمئة، حيث قفز سعر الـ75 غرام منها من 5,700 ليرة في بداية يوليو إلى 9,863 ليرة في النصف الثاني من أغسطس.
وارتفعت أسعار الحلويات بمقدار 60.0 بالمئة عن حسابات شهر يوليو، إذ تجاوزت تكلفة 112 غرام حلويات ضرورية للفرد يوميا 8.400 ليرة، بارتفاع من حد 5,250 ليرة.
وكذلك الحال بالنسبة للجبن الذي ارتفع سعر 25 غرام منه بمقدار 28.9 بالمئة منتقلا من 563 ليرة في بداية يوليو إلى 725 ليرة حاليا.
كما ارتفعت أسعار الفواكه بنسبة 38.1 بالمئة، إذ انتقل سعر 60 غرام منها من 1.400 ليرة في بداية يوليو إلى 1.933 ليرة حاليا.
أما الأرز، فقد ارتفع بحوالي 58.1 بالمئة، منتقلا ثمن 70 غرام منه يوميا من 1.505 ليرة في بداية يوليو إلى 2.380 ليرة في النصف الثاني من أغسطس الحالي.
ويوضح الصحفي الاقتصادي، مختار الإبراهيم أن النظام السوري وحكومته قابلا الاحتجاجات التي بدأت بسقف منخفض في السويداء “برفع الأسعار” للمرة الثانية خلال أسبوعين.
ويقول الإبراهيم لموقع “الحرة”: “هناك واحد من احتمالين إما النظام لم يعد يملك أي فرصة لكبح الأسعار لا تحسينها، أو أنه يمّعن في الحلول التي اتبعها منذ 2011”.
و”حلول 2011 تقوم على عدم الانحناء للعاصفة ومقابلة أي مطالب شعبية بالمزيد من التعنت وعدم التنازل والاستنكار”، حسب تعبير المتحدث.
ومع ذلك يرجح أن “النظام لا يملك أي ورقة لكبح الأسعار”، وأن “الرفع سيستمر من أجل جذب المزيد من الأموال في الشارع”.
“اليوم راتب الموظف وبشكل وسطي يقدر بـ 250 ألف وعلبة حليب الأطفال يبلغ سعرها 100 ألف وتكفي الطفل 3 أيام فقط”.
ويتابع الإبراهيم أن “العائلة التي لديها طفل واحد يكفيها الراتب فقط لبضعة أيام من أجل شراء الحليب، بعيدا عن أي مستلزمات أخرى من أكل وشرب وأدوية وباقي المصاريف”، وهو ما يضطرها “لابتكار حلول لدفع إيجار المنزل والفواتير”.
“رزم ينثرها الدولار”
ولا تقتصر الكارثة المعيشية الحاصلة في سوريا على فئة مجتمعية دون أخرى، بل “تضرب الجميع” وفق قول، باسل الشيخ، وهو ممرض يعمل في إحدى مشافي العاصمة دمشق، مضيفا: “الراتب الشهري لكل العاملين يتبخر قبل وصوله إلى الجيب”.
وفي كل دول العالم يقابل قرار رفع الرواتب “بمشاعر من الفرح والسرور”، لكن في سوريا “الأمر مختلف وبالعكس”، ويتحدث باسل الذي بات مرتبه الشهري يعادل 300 ألف ليرة سورية عن “رزم من الورق ينثرها واقع الحياة بالدولار”.
ووصلت قيمة الليرة السورية في سوق العملات الأجنبية وبحسب سعر صرف السوق الموازي إلى حاجز 15 ألف مقابل الدولار الأميركي الواحد.
وعند قياس الراتب بالليرة مع مسار الدولار “تتضح الصورة التي يعرفها السوريون أكثر من باقي الشعوب”، وفق ما يوضح باسل لموقع “الحرة”.
وفي نهاية عام 2010 استقر متوسط الراتب الحكومي في سوريا عند حد 8 آلاف ليرة سورية، أي ما يقارب في ذلك الوقت 170 دولارا أميركيا (كان الدولار يساوي 47 ليرة سورية).
أما اليوم في عام 2023 وفي أعقاب الزيادة بات متوسط الراتب الذي يصل إلى 250 ليرة سورية يساوي 16 دولارا أميركيا واحدا (1 دولار يساوي 15 ألف ليرة سورية).
في غضون ذلك بلغ سعر غرام الذهب عيار 21 قيراطا نهاية 2010 1805 ليرات سورية (نحو 38 دولارا)، بينما يبلغ حاليا 730 ألف ليرة (نحو 54 دولارا).
ويتابع باسل: “الناس لا تعرف كيف تتدبر أمورها. هناك من يعمل 3 أعمال في اليوم ولا يعود إلى منزله لآخر الليل وآخرون يعتمدون على حوالات الخارج، ومع ذلك غير قادرين حتى الآن على مواكبة لهيب الأسعار”.
ويطرح الممرض مثلا إلى جانب الأمثلة المذكورة سابقا، بأن راتبه الشهري في الوقت الحالي يشتري مع بداية العام الدراسي “حقيبتان لطفليه الاثنين بقيمة 200 ألف ليرة وبعض الدفاتر وأقلام الحبر والرصاص”.
وفي مارس الماضي كان “برنامج الأغذية العالمي” قال إن حوالي 12.1 مليون شخص في سوريا، أي أكثر من نصف عدد السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي، مما يجعلها من بين البلدان الستة التي تعاني من أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي في العالم.
ويعزى هذا التدهور في الأمن الغذائي إلى أسباب عدة، بينها اعتماد البلاد الشديد على الواردات الغذائية، بعدما كانت تتمتع باكتفاء ذاتي في إنتاج الغذاء في الحقبة الماضية.
وبحسب “برنامج الأغذية العالمي”، فإن متوسط الأجر الشهري في سوريا يغطي حاليا حوالي ربع الاحتياجات الغذائية للأسرة فقط، وتظهر أحدث البيانات أن سوء التغذية آخذ في الارتفاع، مع وصول معدلات التقزم بين الأطفال وسوء التغذية لدى الأمهات إلى مستويات غير مسبوقة.
ويشير الصحفي الإبراهيم إلى أن “الدراسات الأممية تقول إن 95 بالمئة من السوريين باتوا تحت خط الفقر وأكثر من نصفهم وصل للفقر المدقع، أي لا يملك قوت يومه في منزله”.
ويقول: “الناس وصلت لمرحلة مأساوية من الفقر المدقع. الذي يقيم في خارج سوريا قد لا يصدق الكلام لكن بالفعل هناك عائلات لا تملك قوت يومها، وهو ما أدى الانفجار في السويداء ومن المحتمل أن ينفجر في باقي المحافظات”.
كيف يعيش السوريون؟
ربما يكون السؤال الأكثر تدولا في ظل تداعيات الكارثة المعيشية الحاصلة هو: “كيف يستطيع السوريون تدبير أمورهم”؟
ويعتقد الصحفي الإبراهيم أنه “ورغم اعتماد الكثير من السكان على أكثر من عمل والحوالات القادمة من اللاجئين في الخارج إلا أن الـ100 دولار العابرة إلى داخل البلاد لم تعد تساوي شيئا”.
ويوضح: “قوة الفئة المذكورة من العملة الدولارية في الخارج أكبر من قيمتها في الداخل السوري، بسبب نقص المواد”.
ويقول إن أغلب الموظفين “يفكرون في الطريقة التي يمكن أن يتخلصوا فيها من وظائف الدولة دون أي تبعات قانونية.. الوظيفة باتت عبء.. لا يوجد مواصلات.. الجلوس في المنزل وانتظار خل آخر بات أكثر جدوى من الذهاب إلى العمل”.
ويوضح الباحث الاقتصادي السوري، كرم شعار أن “مستوى الأسعار في سوريا ارتفع أكثر من 30 ضعفا في الحد الأدنى ومنذ عام 2011 وحتى اليوم”.
ويقول شعار لموقع “الحرة”: “ما يحصل في سوريا أن النظام السوري يعمل على إعادة توزيع الثروة بشكل غير مباشر، من خلال توزيع تكاليف التضخم على فئات متنوعة في البلاد وبنسب مختلفة”.
وتعود هذه السياسة بالضرر الأكبر على الموظفين الحكوميين، إذ يضيف الباحث أن “الحكومة وعندما تحاول أن تكبح جماح التضخم فإن الهدف الأساسي السهل لها هو القطاع العام والعاملين فيه”.
“هؤلاء يمكن أن يعيشوا ظروفا أبشع وفيها ذل أكبر، دون أن يؤثروا كثيرا على النظام السوري ووجوده”.
في المقابل يرى الباحث أن “ما يعرفون بالشبيحة الذين يحملون الأسلحة وقاتلوا إلى جانب القوات الرسمية تكون عملية إرضائهم ذات أهمية كبيرة”، وأن “هؤلاء على مقدرة على أن يحصّلوا مستويات دخل أكبر قياسا بالموظفين العاديين”.
وسبق وأن أشارت دراسة للباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، محسن مصطفى إلى أن الموظفين في سوريا لا يعتمدون على رواتبهم التي لا تكاد تكفي عدة أيام، بل على مصادر دخل متنوعة.
ومن هذه المصادر: الحوالات المالية القادمة من الخارج، أو العمل بوظيفة ثانية في القطاع الخاص، بالإضافة لذلك قد يمتد الاعتماد على مصادر دخل غير مشروعة نتيجة الفساد المالي والرشاوى في الدوائر والمؤسسات الحكومية.
وتظهر سياسة النظام بما يتعلق بالرواتب، بأنها “دافعة نحو عسكرة المجتمع وتحويل العسكرة لمهنة كبقية المهن، وهو ما تم فعلا من خلال التعاقد معهم كمرتزقة ضمن الميليشيات أو إرسال المرتزقة إلى مناطق نزاع مسلح تحت إشراف روسي”.
وهي “دافعة أيضا نحو الهجرة، تُضاف لمجموعة من العوامل الأخرى الدافعة لها، خصوصا لأولئك المتعلمين وأصحاب الشهادات العلمية”.
ساعات تفصل مجلس الأمن الدولي عن التصويت على التجديد السنوي الـ 17 لمهمة “اليونيفيل” في جنوب لبنان، والتي تنتهي، الخميس، الموافق لـ 31 أغسطس الجاري، في ظل احتدام للمفاوضات والجدال بين المجتمع الدولي ولبنان قبيل الوصول إلى مسودة نهائية للقرار المنتظر.
صعوبات جدية أحاطت هذا العام بمشروع التمديد الذي يتم بموجب القرار الدولي 1701، حيث لم يمر بالسلاسة المعهودة في السنوات الماضية، وذلك بعدما أطلق لبنان جهودا دبلوماسية كبيرة بدأت قبل نحو شهرين ولا زالت مستمرة حتى الآن في نيويورك، عبر وفد دبلوماسي من الخارجية اللبنانية وصل إلى نيويورك، من أجل تعديل فقرة أضيفت العام الماضي على قرار التمديد لقوات الطوارئ الدولية، تتيح لها حرية التحرك من دون أي تنسيق مع الحكومة اللبنانية أو الجيش اللبناني.
وتمثل الفقرة 16 من القرار الدولي رقم 2650 الذي صدر عام 2022، أبرز مواضع الخلاف بين لبنان والمجتمع الدولي، وتنص على أن مجلس الأمن الدولي “يحث جميع الأطراف على التعاون التام مع رئيس البعثة والقوة المؤقتة في تنفيذ القرار 1701، وعلى كفالة الاحترام التام لحرية القوة المؤقتة في التنقل في جميع عملياتها ووصول القوة المؤقتة إلى الخط الأزرق بكامل أجزائه وعدم إعاقتها، ويعيد التأكيد أن القوة المؤقتة لا تحتاج إلى تراخيص أو أذن مسبق للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها، وأنها مأذون لها بالاضطلاع بعملياتها بصورة مستقلة”.
يذكر أن اليونيفيل تأسست عام 1978، وتم توسيع ولايتها في القرار 1701 (2006) بعد حرب عام 2006 بين إسرائيل و”حزب الله”، حيث يتم تجديد ولايتها سنوياً بناء على طلب حكومة لبنان.
وتتركز مهام القوات الدولية بحسب القرار على مراقبة وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل ودعم السلطات اللبنانية في الحفاظ على المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني، خالية من العناصر المسلحة أو الأسلحة أو الأصول الأخرى غير المصرّح بها.
انطلاقا من ذلك، وفي وقت يصعّد فيه تنظيم “حزب الله” من أنشطته العسكرية على طول الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل خلال الفترة الماضية، فإنه يجد بتعديل مهمات اليونيفيل ومنحها حرية التحرك وتوسيع صلاحياتها، استهدافا مباشراً له ولأنشطته، وتغيير بما يسمى “قواعد الاشتباك” القائمة جنوب لبنان بموجب القرار الدولي.
فيما يرى المجتمع الدولي، ولاسيما الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ضرورة في توسيع صلاحيات القوات الدولية ونطاق عملها، وتمكينها من القيام بمهماتها في ضمان تطبيق القرار 1701، بعدما شابه انتهاكات كبيرة خلال العام الماضي كادت أن تصل إلى مواجهة عسكرية أو تتدحرج إلى حرب بين “حزب الله” وإسرائيل في أكثر من مناسبة وحادثة.
مطلب “حزب الله”
لا تبدو مهمة الوفد الديبلوماسي – العسكري اللبناني، برئاسة وزير الخارجية اللبناني، عبدالله بوحبيب، سهلة في نيويورك، لاسيما وأنه انطلق في 24 أغسطس إلى نيويورك محملاً بمطلب علني لـ “حزب الله” بتعديل الفقرة 16، وهو أمر يدركه المجتمع الدولي وسفراء الدول الأعضاء، لاسيما وأن زعيم حزب الله، حسن نصرالله، كان قد عبر عن هذا المطلب.
وفيما حاول الإضفاء على خلفية إجراء تعديل بعدا سياديا لبنانيا “يتعلق بالكرامة”، على حد قوله، لوح زعيم حزب الله بأن قرار الأمم المتحدة فيما لو لم يسحب التعديل، فإنه “سيبقى حبرا على ورق”، مهددا بأن المجتمع المحلي جنوب لبنان “لن يسمح بأن يُطبق قرار بالرغم من رفض الحكومة اللبنانية.”
ومن المعلوم أن المناطق الخاضعة لولاية اليونيفيل جنوب لبنان، تشكل بمعظمها بيئة شعبية حاضنة لحزب الله، الذي لم يتردد في وضع أنصاره بوجه القوات الدولية في أكثر من مناسبة، بهدف عرقلة عملها أو وصولها إلى أماكن معينة لتفتيشها، ما أدى إلى وقوع صدامات عدة، كان أبرزها حادثة “العاقبية” التي راح ضحيتها جندي من الكتيبة الإيرلندية العاملة في لبنان في فبراير الماضي.
إلا أن اللافت كان تبني الدولة اللبنانية لسردية “حزب الله” نفسها، التي تضع الأهالي والمجتمع المحلي في وجه القوات الدولية، وهو ما صرح به وزير الخارجية اللبناني قبيل مغادرته إلى نيويورك.
حيث قال في حديث صحفي أن هدفه من التوجه إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك “ليس تحدياً لأحد ولا لعرقلة أي اتفاق يتعلّق بالتمديد للقوة الدولية”، مضيفا أن ما يهمّ لبنان هو “تخفيف بؤرة التوتّر الناجم أحياناً عن الاشتباك بين بعض الأهالي وعناصر اليونيفيل.”
وحمل بو حبيب مجلس الأمن مسؤولية “تردّي الوضع الأمني جنوباً”، في حال رفض التعديلات التي تطالب بها الدولة اللبنانية.
ونقل بوحبيب هذه الرسالة في لقاءاته على مدى الأيام الماضية مع سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
“قلق أميركي عميق”
وفي إطار لقاءاته اجتمع وزير الخارجية اللبناني بممثلة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة السفيرة ليندا توماس غرينفيلد، حيث نقل إليها موقف لبنان من التمديد لقوات اليونيفيل.
من جهتها رحبت غرينفيلد بتركيز لبنان على سلامة قوات حفظ السلام الأممية، بما في ذلك من خلال التعاون الوثيق بين القوات المسلحة اللبنانية واليونيفيل.
إلا أنها عبرت في المقابل عن “قلق عميق” لدى الولايات المتحدة، إزاء أعمال “حزب الله” الاستفزازية على طول الخط الأزرق، والتي تمثل “تهديداً متزايداً للسلام والأمن في لبنان، فضلاً عن أمن إسرائيل”.
سفيرة الولايات المتحدة شددت خلال إيجاز في مجلس الأمن الدولي بشأن الوضع في الشرق الأوسط، على أن الولايات المتحدة ملتزمة بتمديد بعثة اليونيفيل، “بحيث تكون قوية، بما يمكّنها من أن تؤدي واجباتها بشكل مستقل عن القوات المسلحة اللبنانية.”
وطلبت أن تتناول مناقشات تجديد التفويض، معالجة أنشطة جمعية “أخضر بلا حدود”، التي أدرجتها الولايات المتحدة على لائحة العقوبات مؤخرا لتقديمها الدعم والغطاء لعمليات حزب الله في جنوب لبنان على طول الخط الأزرق.
وفي هذا السياق أكدت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية لـ “الحرة” أن “رفض حزب الله للتفويض هو الأحدث ضمن سلسلة من الأحداث التي تثبت أن حزب الله مهتم بمصالحه ومصالح راعيته إيران أكثر من اهتمامه بسلامة ورفاهية الشعب اللبناني.”
الخارجية الأميركية: تفويض يونيفيل يكشف حقيقة حزب الله
قالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية لـ”الحرة” إن “رفض حزب الله لتفويض (اليونيفيل) هو الأحدث ضمن سلسلة من الأحداث التي تثبت أن حزب الله مهتم بمصالحه ومصالح راعيته إيران أكثر من اهتمامه بسلامة ورفاهية الشعب اللبناني”.
وشددت المتحدثة على أن “الولايات المتحدة تبقى ملتزمة بمهمة اليونيفيل وبسلامة وأمن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة”، مشيرة إلى أن “استقلالية اليونيفيل وحرية حركتها هما عنصران حاسمان للغاية في قدرتها على إنجاز مهمتها، وهذا أمر منصوص عليه في اتفاقية وضع القوات بين اليونيفيل ولبنان والمعمول بها منذ عام 1995”.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية التي فضلت عدم الكشف عن اسمها إنه “في حين أن اللغة المضافة في تفويض عام 2022 لم تمنح اليونيفيل أي سلطات إضافية، إلا أنها أكدت التزام المجتمع الدولي بحرية حركة اليونيفيل ووصولها إلى المناطق الرئيسية المثيرة للقلق وهو الأمر الذي لا يزال حاسما للتخفيف من عدم الاستقرار على طول الخط الأزرق”.
وجددت المتحدثة “دعوة السلطات اللبنانية إلى ضمان حرية حركة اليونيفيل ووصولها ومحاسبة المسؤولين عن عرقلة تنفيذ ولايتها وتهديد سلامة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة”.
من طرح الفصل السابع؟
وكانت الخارجية اللبنانية قد أذاعت معلومات رسمية مفادها أنه وبعد اطلاع وزير الخارجية على مسوّدة مشروع القرار المطروحة “عبّر بوضوح عن رفض لبنان للصيغة المتداولة كونها لا تشير الى ضرورة وأهمية تنسيق اليونيفيل في عملياتها مع الحكومة اللبنانية، ممثلةً بالجيش اللبناني، كما تنص اتفاقية عمل اليونيفيل المعروفة بالـSOFA، (Status of force agreement).
وذكر بوحبيب أن التجديد السنوي للقوة الدولية “يأتي بطلب من الحكومة اللبنانية”، معبراً عن رفض لبنان “إعطاء الشرعية لنقل ولاية اليونيفيل من الفصل السادس، وفقاً للقرار 1701، الداعي الى حل النزاع بالطرق السلمية، الى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يدعو الى فرض القرار بالقوة”.
هذه المعلومات التي وزعتها الخارجية اللبنانية، أثارت تساؤلات حول طرح الفصل السابع من أصله، والذي لم يصدر عن أي جهة دولية أو أممية، وما إذا كان طرحاً قد جرى تقديمه أم مجرد توصيف من وزارة الخارجية للمسودة المطروحة وتعديلاتها التي لا ترصد التنسيق مع الحكومة اللبنانية.
في هذا الإطار يشرح الخبير في القانون الدولي المحامي بول مرقص، أن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ينص على “التعامل مع حالات تهديد السلم والأمان والعدوان”. وتنص المادة الأولى ضمن هذا الفصل (المادة 39) على أن مجلس الأمن يجب أن يقرر ما إذا كان هناك تهديد للسلم أو انتهاك له، أو إذا تمت عملية عدوان قبل أن يتخذ الإجراءات المنصوص عليها في المواد اللاحقة.
وعليه يؤكد مرقص أن مجلس الأمن لا يمكنه إصدار قرارات بموجب الفصل السابع إلا إذا اتفقت الدول الخمس الكبرى على أن القضية المطروحة تشكل تهديدًا للسلم والأمان الدوليين، وإذا تم التوصل إلى هذا التوصيف هناك خطوات تدريجية غير عسكرية يمكن أن يتخذها مجلس الأمن، مثل المفاوضات أو فرض عقوبات اقتصادية، وإذا لم تثبت هذه الإجراءات فاعليتها، يمكن لمجلس الأمن أن يقرر استخدام وسائل أخرى، بما في ذلك العمل العسكري.
إلا أن نقل ولاية اليونيفيل الى الفصل السابع ليس على جدول أعمال مجلس الأمن، بحسب مرقص، الذي يلفت إلى أن مناقشات مجلس الأمن لتعديل الولاية تحتاج قبل ذلك إلى المرور بالخطوات المنصوص عليها في المادة 39 وما يليها من ميثاق الامم المتحدة.
وتجدر الإشارة الى أن معارضة لبنان للتعديلات المطروحة أمام مجلس الأمن، لا يعني بالضرورة تغيير القرار او الغاؤه، بل يحتاج الامر الى فيتو من احدى الدول الخمس دائمة العضوية فيه، بحسب مرقص، الذي يلفت إلى أن لبنان يعتمد بشكل عام على دعم الفيتو الروسي والصيني لمواجهة أي تعديلات غير مقبولة بنظره.
الـ 1701 هو الهدف
عام 2006، تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع، القرار 1701 الذي يدعو إلى وقف كامل للعمليات القتالية في لبنان. ويطالب القرار “حزب الله” بالوقف الفوري لكلّ هجماته والانسحاب إلى شمال نهر الليطاني، وإسرائيل بوقف فوري لكل عملياتها العسكرية الهجومية وسحب كلّ قواتها من جنوب لبنان.
القرار في حينها دعا الحكومة اللبنانية، لنشر قواتها المسلحة في المنطقة الحدودية الجنوبية للبنان، بالتعاون مع قوات الطوارئ الدولية، وبالتزامن مع الانسحاب الإسرائيلي إلى ما وراء الخط الأزرق.
إلا أنه وبعد 17 عاماً، يبدو تطبيق القرار على أرض الواقع شبه منعدم، وسط خروقات متبادلة بين حزب الله وإسرائيل تتخذ وتيرة شبه يومية، واتجاها تصاعدياً في التوتر المسجل بين الطرفين.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة قدم في يوليو الماضي تقريره الدوري للمجلس، حول تنفيذ القرار 1701، مسجلاً سلسلة طويلة من الانتهاكات للقرار.
وبحسب غوتيريش فإن “وجود أسلحة في ميادين الرماية واستخدامها فعليا خارج نطاق سيطرة الدولة يشكّل انتهاكاً صارخاً آخر للقرار 1701، معبراً عن إدانته لاحتفاظ “حزب الله” وغيره من الجماعات المسلحة غير التابعة لدول، بأسلحة “غير مأذون بها واعترافها المتكرر بذلك”.
تقرير الأمين العام للأمم المتحدة دعا الجيش اللبناني إلى تسهيل وصول القوات المؤقتة إلى المواقع المطلوب زيارتها في إطار تحقيقاتها والتنفيذ اليومي لولايتها، واصفاً عدم القدرة على تقديم الدعم اللازم في هذا السياق بأنه “أمر غير مقبول”.
وأكد التقرير أيضاً أنّ التعزيزات الإسرائيلية الجارية في بلدة الغجر الحدودية، “لا تتوافق مع ضرورة انسحاب الجيش الإسرائيلي منها”، كما أنها “تشعل فتيل التوتر”، وعبّر أيضاً عن قلقه من “الانتهاكات المستمرة للمجال الجوي اللبناني من قبل الطائرات والمسيّرات الإسرائيلية، لافتاً إلى أنّها تشكّل انتهاكاً للقرار.”
وكانت قد شهدت الحدود بين الطرفين، توترات عدة العام الماضي، تخللها اطلاق صواريخ من جنوب لبنان، ورد إسرائيلي بقصف مدفعي وجوي، كذلك شهدت الحدود أزمة “خيم حزب الله” التي نصبها وفق ما يقول رداً على نشاطات للجيش الإسرائيلي في منطقة حدودية متنازع عليها (الغجر)، كذلك شهدت المنطقة عمليات خرق متبادل للخط الأزرق تخلله عمليات تخريب للسياج الحدودي، وصولاً إلى رصد إسرائيل لنشاطات علنية لعناصر حزب الله على الحدود.
كل هذه الخروقات والتوترات الحدودية تشير في النهاية إلى أن تطبيق القرار 1701 لا يتم كما يجب، وأن مهمة قوات اليونيفيل لا تحقق هدفها، هذه هواجس تشكل المنطلق الأساس للمجتمع الدولي في مطالبته توسيع نطاق عمل قوات اليونيفيل وفق ما يؤكد مدير “المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات”، العميد المتقاعد خالد حمادة في حديثه لموقع “الحرة”.
ويلفت حمادة إلى أن تعديل القرار في العام الماضي، الذي منح اليونيفيل حرية القيام بدوريات دون مواكبة الجيش اللبناني، أتى أصلاً نتيجة مجموعة من التقارير التي تتحدث عن الصعوبات التي تواجهها القوات الدولية في أداء واجباتها المنصوص عنها في القرار 1701، خاصة مع اعتراض دوريات اليونيفيل والاعتداء عليها، ومنعها من الوصول إلى أماكن معينة.
وفيما يعزو لبنان سعيه لسحب التعديل إلى أسباب “سيادية” يذكر حمادة بأن “الجميع في لبنان يدرك أن جنوب الليطاني ليس خاضعاً للسيادة اللبنانية وأمرة الجيش اللبناني، كل اللبنانيين يعلمون بوجود حركة نقل وتخزين وتحضير أسلحة وانشطة عسكرية لحزب الله، وزيارة قياديين من الحرس الثوري وغيره.”
ويرى الخبير الأمني أن على الدولة اللبنانية أن تسأل نفسها “هل يطبق فعلاً القرار 1701؟ هل يحقق الحاجات التي صدر لأجلها؟ الجواب بالنفي طبعاً والأدلة كثيرة.”
يستفسر حمادة أيضاً عن سبب عدم اعتراض لبنان على صيغة القرار منذ صدوره العام الماضي، وعليه يصف حمادة موقف الدولة اللبنانية بـ “المتناقض”، معتبراً أن عليها واجب أن تثبت كيف يمكنها ان تعالج الثغرات التي أدت في العام الماضي إلى التعديل، من خلال القوى الشرعية، “فهل تستطيع الدولة اللبنانية القيام بذلك؟ هذا هو السؤال الرئيسي”.
ويضيف أن هذا التعديل لم يكن له لزوم “لو ان الدولة اللبنانية تقوم بواجباتها فعلياً في تنفيذ القرار 1701، وحماية سيادتها وحقها وحق قواتها الشرعية، في السيطرة على الأراضي اللبنانية”، وهو ما يدفع المجتمع الدولي للبحث عن سبل مختلفة لتنفيذ القرار الدولي، بحسب حمادة.
حبر على ورق أم تغيير لقواعد الاشتباك؟
وتكمن مشكلة المجتمع الدولي في تنسيق قوات اليونيفيل لتحركاتها مع الجيش اللبناني، انها ستكشف بشكل حتمي وجهة عمليات الاستكشاف و الاستطلاع والمداهمات، في ظل تنامي نفوذ حزب الله في الحكومة اللبنانية ودوائر صنع القرار، وسيطرته التامة على مناطق عمليات قوات الطوارئ الدولية.
في المقابل يرى الصحفي والكاتب السياسي، غسان جواد، في حديث لموقع “الحرة” أن الصيغة المطروحة لقرار التمديد من قبل فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا من شأنها “أن تؤسس لإشكالات امنية جنوب لبنان في المستقبل، خاصة مع المجتمع المحلي ضمن نطاق عمل القوات الدولية الذي لن يقبل بتحركها من دون مواكبة الجيش اللبناني.”
معتبراً أن قرار العام 2022 الذي أعطى اليونيفيل حق التجول بدون التنسيق، كان سبباً في الوصول إلى حادثة مقتل الجندي الإيرلندي، “فالتجول من دون مرافقة الجيش اللبناني سيؤدي حتماً إلى مشاكل”.
ويضيف المحلل السياسي المقرب من “حزب الله”، أن التداعيات اقتصرت على ذلك العام الماضي، “بكون قيادة اليونيفيل أرسلت كتاباً يتضمن رسالة للدولة اللبنانية ولحزب الله، مفادها أن القوات الدولية لن تطبق القرار بحذافيره، وستحافظ على التنسيق مع الجيش اللبناني.”
كلام جواد حول رسالة اليونيفيل كان قد أشار إليها وزير الخارجية اللبنانية في تصريحاته الصحفية قبل سفره إلى نيويورك حيث أكد أنه وبعد التمديد العام المنصرم وخلال الاجتماع معه “أبلغه قائد اليونيفيل اعتبار هذا النص كأنّه لم يكن، وأكد عدم تغيير قواعد اللعبة في جنوب لبنان.”
وأضاف بو حبيب أنه وبعد شهر من التمديد أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش له ولرئيس الحكومة “أنّ قواعد اللعبة لم تتغير وقوات الطوارئ ستبقى على تنسيقها مع الجيش اللبناني”.
هذا الواقع يؤكد عليه حمادة بدوره، لناحية أن التعديل الذي جرى “بقي العام الماضي في إطار نظري ولم يطبق على الأرض”.
وعليه يرى جواد أنه وفي ظل الإصرار الدولي على تمرير التعديلات المطلوبة، رغم ملاحظات لبنان عليها، سيتجه بالأمور إما إلى تأزم في علاقة اليونيفيل “مع محيطها المحلي في الجنوب اللبناني”، وإما ألا تلتزم القوات الدولية بتطبيق هذا القرار بحذافيره ويبقى الوضع القائم كما كان العام الماضي.
وعن تطبيق القرار 1701 يعتبر جواد أنه ما عاد من الممكن اليوم الحديث عن هذا القرار “فيما جميع الأطراف تجاوزته وباتت تخضع لقواعد اشتباك جديدة على أرض الواقع، ولا تزال متغيرة”، واضعاً الجدل القائم حالياً حول مهمات اليونيفيل في سياق “محاولات تبديل قواعد الاشتباك”، مشيراً إلى حزب الله والدولة اللبنانية يريدان الحفاظ على المسار المعمول به منذ العام 2006، فيما تغييرها سيكون “بالغ الحساسية ويحتاج معالجة”.
من ناحيته يرى العميد المتقاعد أن على الدولة اللبنانية أن “تمتلك الجرأة”، فإما أن تعلن عدم التزامها بالقرار 1701، أو فلتطبقه ولتسهل مهمة المجتمع الدولي، “ولكن لا يمكن التستر خلف القرار الأممي ثم الخضوع لقواعد اشتباك معينة، متماهية مع ما يريده حزب الله ومن خلفه إيران، وكأن هناك تحالف ما تريد الدولة اللبنانية ان تعبر عنه وهي محرجة.”
ويضيف حمادة أن حزب الله لديه مصالح إقليمية تريدها طهران، من خلال تثبيت الوجود المسلح على الحدود الجنوبية، فيما “لا يمكن اختصار الدولة اللبنانية بما يمليه حزب الله الذي يرى أن امن الجنوب من مسؤوليته ويهمش دور الجيش اللبناني”.
حل وسطي؟
وتلعب فرنسا، بكونها الجهة العاملة على صياغة مسودة القرار الأممي بشأن التجديد لقوات اليونيفيل، دور الوسيط في محاولة مقاربة وجهات النظر بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن ولبنان الذي يتمسك بمطالبته بتعديل المادة 16 وفرض التنسيق مع الحكومة اللبنانية، ويعارض توسيع مهمات القوات الدولية.
ويحاول الجانب الفرنسي الوصول إلى صيغة للقرار تحفظ مطالب الطرفين، فبحسب مسودة للقرار الأممي، وزعت مساء أمس، وتداولتها وسائل إعلام محلية في لبنان، تتجه الجهود نحو الحفاظ على استقلالية عمل قوات اليونيفيل وحرية حركتها من جهة، والتأكيد على أهمية التنسيق مع السلطات المحلية والجيش اللبناني من جهة أخرى، مع تلبية لمطالب لبنانية أخرى.
ومن بين المطالب التي يقترحها لبنان أيضاً في التجديد، الحصول على اعتراف من الأمم المتحدة بتسمية الجزء الشمالي من بلدة الغجر، بأنه “خراج بلدة الماري” وذلك لتثبيت لبنانيتها، ومن غير الواضح إذا ما ستتضمن المسودة الفرنسية هذا الأمر أو سيحظى بموافقة الدول الأعضاء.
وتشارك فرنسا ضمن القوات الدولية العاملة جنوب لبنان بكتيبة مؤلفة من نحو 900 جندي، بالإضافة إلى دول عدة أبرزها لناحية العدد أندونيسيا والهند والنيبال واسبانيا وغانا، وتسعى تلك الدول إلى توفير وضمان بيئة عمل آمنة لجنودها، حيث دائما ما تسعى للتواصل والتأثير الإيجابي في محيطها المحلي ونسج علاقات متينة مع السكان عبر دعمهم وتنمية المناطق.
ومن شأن هذا الاعتبار أن يلعب دوراً بارزاً في القرار الأممي المنتظر التصويت عليه، فيما لا تزال الصيغة النهائية لنص القرار غير واضحة أو محسومة.