قضت المحكمة العليا في البرازيل، الثلاثاء، بأن المضايقات اللفظية التي تستهدف المثليين يعاقب عليها الآن بالسجن، في حيث أثنى نشطاء حقوق الإنسان على القرار في دولة تشهد تفشيا للعنف ضد مجتمع المثليين.
أثارت تصريحات لوزير الموارد المائية والري المصري، هاني سويلم، الثلاثاء، أن بلاده تقترب من خط الشح المائي بنصيب يقارب 500 متر مكعب للفرد سنويا، تساؤلات بشأن الأسباب والمآلات وكيفية مواجهة الأزمة مع تزايد الاحتياجات نظرا للزيادة السكانية والتغيرات المناخية، فضلا عن أزمة سد النهضة الإثيوبي.
وجاءت تصريحات سويلم خلال جلسة “متابعة نتائج مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمياه”، مؤكدا أن هذا الأمر يستلزم اتخاذ إجراءات عدة لتحقيق مبادئ الحوكمة في الإدارة للتعامل مع هذه التحديات.
لكن محي الدين عمر خبير شؤون المياه في المركز الدولي للبحوث الزراعية في الأراضي الجافة (إيكاردا) التابع للمنظمة الاستشارية الدولية للبحوث الزراعية، في حديثه مع موقع “الحرة” يرى أن مصر تعاني بالفعل حاليا من الشح المائي “نحن دخلنا هذه المرحلة بالفعل”.
وقال عمر الذي عمل سابقا أستاذا مساعدا بالمركز القومى لبحوث المياه، في مصر، إن نصيب الفرد من المياه، لا يعني ما يستخدم للشرب فقط وهو قليل للغاية، وإنما مجموعة من الاستخدامات، تشمل أيضا الصناعة، فضلا عن الزراعة التي تمثل النصيب الأكبر.
وأضاف: “بالنسبة لنا مواردنا تقريبا هي فقط ما يصلنا من مياه نهر النيل وهو 55.5 مليار متر مكعب سنويا والباقي سواء مياه الأمطار أو البحيرات نسبة لا تذكر، فمياه الأمطار تمثل حوالي مليار متر مكعب في العام فقط”.
وأضاف: “عندما نقسم 55 مليار متر مكعب على عدد سكان مصر، البالغ عددهم تقريبا 110 ملايين، فسنعلم أننا بالفعل في مرحلة الشح أو الفقر المائي”.
ما هي الأسباب؟
من جهته، أكد وزير الموارد المائية المصري الأسبق، محمود أبو زيد، في حديثه مع موقع “الحرة” أن مصر تعاني من فجوة بين الموارد والاحتياجات، “كما أن استخداماتنا للمياه تزيد باستمرار، والموارد ثابتة، وبالتالي، الفجوة تتسع”.
وعن أهم أسباب معاناة مصر من الفقر المائي قال إنها “تتمثل في الزيادة السكانية والتغيرات المناخية، والتطور في الاحتياجات الاقتصادية، فضلا عن الإسراف في استخدام المياه من قبل البعض”.
ويوضح أبو زيد، مسألة التغيرات المناخية، بأنه “عندما يحدث ارتفاع في درجات الحراراة، فإن ذلك يؤدي إلى تبخر المياه، وزيادة في حاجة المحاصيل والنباتات التربة للمياه بسبب الحر الشديد”.
كيفية سد العجز المائي
يؤكد عمر أنه “عندما تكون الاحتياجات أكثر من الموارد يحدث العجز المائي، وبالتالي يجب البحث عن تغطيته عن طريق مياه الصرف الزراعي أو معالجة مياه الصرف الصحي، وفي بعض الأحيان من خلال مياه جوفية عميقة”.
غير أن عمر يؤكد أن كل ذلك لا يعني أن الفرد لن يجد مياه الشرب، “لأن أي بلد تضع هذا الأمر أولوية أولى لديها، لكننا قد نواجه عجزا مائيا لسد الاحتياجات الزراعية تحديدا”.
وأضاف: “بعض البلاد لديها القدرة على تعويض الفقر المائي من خلال استيراد المنتجات الزراعية من الخارج مثل دول الخليج التي لديها شح مائي، لكن بلدا مثل مصر وهي أكثر دولة تعاني في المنطقة كلها، تعاني من مستوى دخل منخفض بالإضافة إلى وضع اقتصادي، لا يمكنها من تعويض الفقر المائي، وهو ما يؤثر على الأمن الغذائي والقومي”.
من جهته يقول أبو زيد، إن “هناك استراتيجية مفصلة وضعتها وزارة الموارد المائية والري حتى 2037 تتضمن الاحتياجات والموارد وكيفية الموازنة بينهما بالتفصيل، وبالإضافة إلى ذلك، هناك استراتيجة عامة حتى عام 2050 لم يتم توضيح تفاصيلها حتى الآن”.
وأضاف: “المطلوب تنفيذ هذه الاستراتيجيات لمواجهة الشح المائي”، مشيرا إلى أن هناك بالفعل مشروعات لإعادة استخدام المياه، مثل محطات المحسمة، وبحر البقر، والحمام”.
يؤكد عمر من جانبه أنه “يجب التوسع في مشاريع تحلية المياه لتعويض الزيادة السكانية الرهيبة في مصر، هذا الأمر ليس رفاهية وإنما هو لازم وليس لدينا بدائل أخرى، ولابد من زيادة الموارد بشكل دائم، لأنها تقل عاما بعد عام، وهو ما يمثل مصدر تهديد”.
“البديل الوحيد”
وفي حديثه خلال جلسة الأمم المتحدة، الثلاثاء، قال وزير الموارد المائية، إن المستقبل سيشهد التوسع باستخدام تحلية المياه في إنتاج الغذاء لمواجهة الزيادة السكانية؛ بشرط استخدام وحدة المياه بالشكل الأمثل الذي يحقق الجدوى الاقتصادية، مع أهمية التوسع في استخدام التكنولوجيا الحديثة والطاقة المتجددة في التحلية مما سيسهم في تقليل التكلفة.
وبحسب ما نقلت صحيفة “الأهرام” الحكومية، عن وزير الموارد المائية والري السابق، في أكتوبر 2021، فإن مشروع محطة معالجة مياه مصرف بحر البقر، تبلغ طاقته 5.60 مليون متر مكعب فى اليوم، وأن محطة الحمام؛ لمعالجة مياه الصرف الزراعي في غرب الدلتا، بطاقة 7.50 مليون متر مكعب فى اليوم، بالإضافة إلى سحارة مصرف المحسمة، بطاقة مليون متر مكعب واحد فى اليوم.
ووصف موقع رئاسة الجمهورية، محطة مياه مصرف بحر البحر، بأنه الأكبر في العالم، ويساهم في استصلاح ٤٥٦ ألف فدان من خلال إعادة تدوير وتشغيل مياه الصرف الزراعي والصناعي والصرف الصحي التي سيتم تحويلها إلى الضفة الشرقية أسفل قناة السويس.
كما أشار موقع خريطة مشروعات مصر، إلى أن محطة الحمام التي تبنى بالساحل الشمالي تهدف إلى استصلاح وزراعة حوالى 500 ألف فدان غرب الدلتا.
ويوضح عمر في حديثه مع موقع “الحرة” أن التحلية هنا “لا تعني تحلية مياه البحر، لأن ذلك يعني مبالغ طائلة ومشاريع باهظة التكاليف، وإنما يقصد هنا هو معالجة مياه الصرف الزراعي أو الصحي”.
ويوضح أنه “بعد ري الأراضي الزراعية، تتبقى مياه زائدة عن حاجة النبات، لغسيل أملاح التربة، ولابد من صرفها حتى لا يحدث اختناق في منطقة الجذور في التربة، وبالتالي صرف هذه المياه لمعالجتها لإعادة استخدامها أكثر من مرة لسد العجز الموجود”.
وأضاف: “علينا التفكير طوال الوقت في موارد مائية بديلة لمواكبة الزيادة السكانية والمشاريع الصناعية وما يتطلبه من استهلاك أكثر للغذاء وبالتالي محاصيل أكثر واحتياج متزايد للمياه”.
واعتبر أن الحكومة المصرية تضع خططا، تتغير حسب التحديات المتسارعة، وفي الفترة الأخيرة اتخذت قرارات فيما يخص الري والمياه مثل المحاصيل الشرهة للمياه، إذ تم تحديد المساحات التي تتم زراعتها للرز وقصب السكر على سبيل المثال، كما أن الحكومة بدأت في التركيز على نظم ري بديلة عن الري التقليدي، وهناك بالفعل حاليا مشاريع يتم فيها استخدام الري بالتنقيط”.
تأثير سد النهضة
ويؤكد عمر أنه ليس هناك دراية واضحة خاصة بتأثير سد النهضة الإثيوبي على مصر حتى الآن، لكنه يقول “بالتأكيد سيكون هناك تأثير سلبي”.
وقال: “لن يظهر التأثير المباشر لسد النهضة في سنواته الأولى، لأن لدينا مخزونا استراتيجيا يمكننا الاعتماد عليه لتعويض الاحتياجات المائية للمزارعين، ولكن بلا شك، سد النهضة سيقلل من كميات المياه القادمة لبحيرة ناصر التي تعتبر مخزونا استراتيجيا لمصر، لكننا لا نعلم متى سيحدث هذا التأثير بالضبط”.
من جانبه يقول أبو زيد إن الموقف سيصبح أكثر خطورة “عندما يكون هناك ما يسمى بـ”الجفاف الممتد” أي يطول لعدة سنوات متتالية، حيث سيكون فيها الفيضان منخفضا”.
وأوضح: “التأثير حينها سيتعلق بتصرفات الجانب الإثيوبي في سنوات الجفاف وإن كانوا سيتحكمون في مرور المياه وسيخفضون ما يصل إلينا ولأي فترة”.
ومنذ 2011، تتفاوض مصر والسودان وإثيوبيا للوصول إلى اتّفاق بشأن ملء سدّ النهضة وتشغيله، إلا أنّ جولات طويلة من التفاوض بين الدول الثلاث لم تثمر حتى الآن اتفاقاً.
ورغم أن مصر والسودان حضتا مرارا إثيوبيا على تأجيل خططها لملء خزان السد إلى حين التوصل لاتّفاق شامل، فقد أعلنت أديس أبابا في 22 يونيو الماضي استعدادها لإطلاق المرحلة الرابعة من ملء خزّان السدّ الذي نبلغ سعته نحو 74 مليار متر مكعب من المياه.
كسرت سلسلة تسجيلات مصورة انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي حالة من الصمت لطالما خيّمت على مناطق الساحل السوري خلال سنوات الحرب الماضية، ورغم أن الكثير من السوريين أطلقوا العبارات التي احتوتها ورددوها مرارا، بدت مختلفة و”استثنائية” في شكلها الجديد، وفق مراقبين، سواء من خلفية من ظهر بها أو الأوساط التي كان تؤطر فيها سابقا.
واحدٌ من هذه التسجيلات تعود لأيمن فارس من مدينة بانياس الساحلية، ووجه فيه انتقادات وكلمات لاذعة استهدفت رأس النظام السوري، بشار الأسد، بقوله: “ماذا فعلت؟ أنت وزوجتك يا بشار الأسد أفقرتم الشعب وتهرّبون الأموال للخارج. سوريا كلها عبارة عن أفرع أمنية ورؤسائها يتحدثون بالقصور والمليارات.. وروح بلط البحر”.
لم تمض ساعات على التفاعل الذي أثاره هذا التسجيل حتى خرج الناشط السوري ماجد الدواي من محافظة اللاذقية، قائلا في بث مباشر عبر “فيس بوك”: “أنت يا بشار الأسد أطلقت في 2011 شعار الله سوريا شعبي وبس.. لكنك منافق وكاذب”، مردفا: “نحن الآن في 2023 والبلد تتجه إلى ثورة كرامة جديدة”.
وأضاف الداوي: “لن أصف الثورة الماضية بالعمالة ولكن سأختصر عليك (موجها حديثه للأسد) كل التهم التي تم توجيهها لثورة 2011 من عمالة وغيرها، لأنه لا يوجد الآن لا داعش ولا جبهة النصرة ولا عرعور آخر في السعودية يستنفر الشعب. الآن هناك حقيقة واحدة فقط هي أن (البلد قامت ورح نكسر راسك)”، وفق تعبيره.
ويأتي تعالي هذه “الأصوات والصرخات الاستثنائية”، حسب تعبير مراقبين وصحفيين تحدثوا لموقع “الحرة” في وقت تدخل فيه المحافظات السورية الخاضعة للنظام السوري أزمة معيشية غير مسبوقة، ووصلت آخر تداعياتها بتدهور سعر صرف الليرة إلى حد 16 ألف مقابل الدولار الأميركي الواحد.
كما تأتي في أعقاب قرارات أصدرتها حكومة النظام، وقضت برفع الدعم عن المحروقات، وهو ما انعكس على قطاع النقل، وأسفر عن حالة شلل كامل دفعت السكان في محافظتي درعا والسويداء للخروج بمظاهرات شعبية، وإعلان حالة “الإضراب العام”.
متظاهرون يحتجون على قرار الحكومة السورية رفع أسعار المحروقات في السويداء
وما تزال المظاهرات و”الإضراب” يحكم مشهد السويداء في جنوب سوريا لليوم السادس على التوالي، في وقت لم يصدر أي تعليق من جانب النظام السوري بشأن الهتافات التي تعلو ضده، سواء في المحافظة المذكورة أو عبر مواقع التواصل من قبل أشخاص يحسبون على “الحاضنة الاجتماعية للأسد”، والموجودين في مناطق الساحل السوري.
“لن تخمد بسهولة”
وفي تسجيل ثان لأيمن فارس أشار إلى أن الأجهزة الأمنية حاولت اعتقاله بعدما هاجم الأسد، وعاد ليكرر القول يوم الاثنين: “بشار الأسد وزوجته هما المسؤولان عن إفقار الشعب”، معتبرا أن “المساعدات التي جاءت إلى مناطق الزلزال بيعت للتجار الكبار والمافيا وتم دفنها ورميها دون أن تحصل عائلات الشهداء على أي مساعدة”.
من جهته أثنى ماجد الداوي عبر البث الذي نشره في “فيس بوك” على الحراك الحالي في مدينة السويداء، مؤكدا أن “مدن الساحل السوري ستنضم إلى الاحتجاجات، وستخلع بشار الأسد من السلطة”.
واتبع الناشط أحمد إبراهيم إسماعيل من محافظة اللاذقية ذات المسار الانتقادي والهجومي عبر وسائل التواصل، قبل أيام، لكن الأمر كلفه الاعتقال على يد “فرع الأمن العسكري”، بحسب ما تحدثت ابنته في فيديو، وطالبت بأن “يتم تحويل الحادثة إلى قضية رأي عام، لتتمكن العائلة من الاطمئنان عليه، ومساعدته على تأمين أدويته وطعامه”.
ومنذ عام 2011 كان ينظر إلى مناطق الساحل السوري بعين تشوبها الحساسية، ورغم أنها شهدت خروج مظاهرات شعبية في الأيام الأولى للثورة واعتقل ناشطون فيها، خفت صداها شيئا فشيئا، ولم تواكب الحالة التي شهدتها مدن سورية أخرى، كدرعا وحمص وإدلب وحلب وأرياف دمشق، وصولا إلى الشرق في دير الزور والرقة والحسكة.
وقدمت مناطق الساحل عدد لم يتم إحصاؤه من القتلى الذين انخرطوا في صفوف قوات النظام السوري، الأمر الذي دفع معارضين لوصفها واعتبارها بأنها “الخزان الأساسي ومركز الثقل الاجتماعي المؤيد للأسد”.
ولذلك يرى صحفيون ومراقبون أن الصرخات الخارجة منها الآن “استثنائية ونادرة” لاعتبارات تتعلق بموقعها الخاص بالنسبة للنظام السوري أولا، والذي لم يكن كفيلا على مدى سنوات يإبعاد السكان فيها عن “حد الجوع والفقر” و”شبح فساد المنظومة الحاكمة”.
ومن غير الواضح حتى الآن المسار الذي ستكون عليه هذه الانتقادات والعبارات اللاذعة ضد الأسد ومسرحها وسائل التواصل الاجتماعي، وما إذا كانت ستنعكس على الأرض، في ظل دعوات وجهها صحفيون من مناطق الساحل بأنفسهم، قبل أيام.
محتجون في السويداء يغلقون الطرقات احتجاجا على سياسات النظام السوري
كنان وقاف أحد هؤلاء الصحفيين كان قد اعتاد في أثناء وجوده بسوريا على انتقاد الفساد الكامن في الحكومة والسلطة، ما عرضه للاعتقال من قبل الأجهزة الأمنية لأكثر من مرة.
ويوضح وقاف في حديث مع موقع “الحرة” أن “الأصوات التي تخرج في الساحل السوري والذي يعتبر الخزان البشري الأهم والبيئة الخاضنة للنظام لا يمكن اعتبارها حالة فردية قام بها بعض الأشخاص فقط”.
على العكس “هي حالة استياء عامة، بدليل حجم التأييد لها على منصات التواصل الاجتماعي والصفحات من الساحل السوري نفسه”.
ويقول الصحفي: “يمكن وصف ما يحصل بكلمة استياء عام لم يرق ليصل إلى حالة ثورة. ولكنه ذو تأثير شديد الخطورة على النظام”.
وتكمن هذه الخطوة بأن “الاستياء يهدد وجود النظام بمعنى الكلمة، لاعتبار أن أجهزة النظام القمعية تنحدر من هذه البيئة المستاءة”.
. — فشة انتباه — ( خطة النظام ) النظام أوعز لمطبليه الفيسبوكيين مع…
Posted by Kenan Wakkaf on Tuesday, August 22, 2023
وفي حين “تبدو الأصوات التي تعلو فردية إلا أنها تعبر عن حالة عارمة من الاستياء، نتيجة الظروف الحياتية والمعيشية اليومية التي وصل إليها السوريون في مناطق سيطرة النظام السوري”، بحسب ما تقول المهندسة والناشطة الحقوقية، هنادي زحلوط.
وتوضح الناشطة لموقع “الحرة” أن “حالة الاستياء تتمثل بالضرورة بأصوات فردية نتيجة أجواء القمع المستمرة منذ عام 1970″، وأن هذه “الأجواء حولت سوريا لمملكة رعب، لكن سوء الأوضاع المعيشية دفعت الناس للصراخ”.
#شاهد: من بلدة ملح التي تشهد انتفاضة اليوم الثلاثاء، حرة من حرائر البلدة: نحنا مش جوعانين، ومطالبنا سياسية pic.twitter.com/WL8FIlXvwK
وطوال 12 عاما لم يتبق في سوريا أي شيء على حاله، وبينما تدمرت معظم المحافظات السورية بفعل القصف والمعارك وقتل مئات الآلاف وتهجّر ونزح الملايين، بات من بقي على قيد الحياة في صدارة البيانات التي تصدرها الأمم المتحدة وبرنامج الغذاء العالمي عن “الجوع والفقر”.
في المقابل بقي شيء وحيد لم يتغير، حسب سوريين وهو السياسة الخاصة بالنظام السوري سواء فيما يتعلق بالانخراط في الحل السياسي في البلاد أو على مستوى العقلية الأمنية التي يحكم من خلالها البلاد، منذ عقود.
وما يزال النظام السوري يتهرب من الخوض بمسارات الحل السياسي، وأبرزها ما ينص عليه القرار الأممي 2254، الصادر من مجلس الأمن في عام 2015، فيما استبعد رئيسه بشار الأسد مؤخرا في مقابلة تلفزيونية مع قناة “سكاي نيوز عربية” أي نية لترك الحكم.
واعتبر الأسد أن المظاهرات التي خرجت في 2011 “لم يتجاوز أفرادها في أحسن الأحوال مئة ألف ونيف وفي كل المحافظات السورية”، وقال إن “العدد الأكبر من الشعب يدعم القضايا التي يدعمها الرئيس”.
وفي مارس الماضي كان “برنامج الأغذية العالمي” قال إن حوالي 12.1 مليون شخص في سوريا، أي أكثر من نصف عدد السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
وتجعل هذه الأرقام من البلاد من بين البلدان الستة التي تعاني من أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي في العالم. ويتوقع مراقبون أن تزداد الأوضاع المعيشية سوءا، ولاسيما بعد القرارات الأخيرة التي رفعت الدعم عن المحروقات، ما انعكس على أسعار الكثير من السلع التي تحتاجها العوائل يوميا.
“لن تخمد بسهولة”
وكان الممثل السوري، بشار إسماعيل، قد انضم إلى موجة الانتقادات، ووجه سؤالا قاصدا فيه بشار الأسد في “فيس بوك”: “ماذا تحتاج البلاد من الحاكم؟ – توفير المال العام للإنفاق على إصلاح شأن البلاد وشأن ساكنيها من الوجوه جميعا، وإدارة أحوال الناس جميعا بالعدل والإحسان وبأفضل السبل والوسائل، الاعتناء بتنمية البلاد عمرانيا، وحماية حدودها من الأعداء والطامعين بها”.
وتابع: “هذا ما تحتاجه البلاد من الحاكم وهو الذي قال: الله سوريا شعبي وبس ونحن ننتظر…”، ومن ثم أضاف نجله حسن في منشور منفصل: “وجبة العبد الأخيرة.. لحم سيّده”.
ماذا تحتاج البلاد من الحاكم ؟؟؟ ١- توفير المال العام للإنفاق على إصلاح شأن البلاد وشأن ساكنيها من الوجوه جميعا ٢- إدارة…
Posted by بشار اسماعيل on Wednesday, August 16, 2023
ويرى الكاتب والناشط السياسي، بسام يوسف، أنه “من الطبيعي أن تخرج هكذا أصوات في الوقت الحالي”، ويعتقد أنها “ستتصاعد في المرحلة المقبلة، بسبب الحالة المأساوية التي وصلت إليها النسبة الساحقة من الشعب السوري، في مقدمتها أبناء الساحل”.
ويقول يوسف لموقع “الحرة”: “الحالة تدفع الناس لكي يصرخوا. أكثر المناطق فقرا هي الساحل، والصرخات التي تخرج منه هي انعكاس لموقف عام هناك يدور في نفوس الغالبية”.
ورغم أن “الأصوات من الساحل لها أهمية استثنائية وما تزال فردية وغير منظمة” فإنها “تمثل الرأي العام”، وبالتالي تلقى ارتياح أو موافقة ضمنية من معظم الناس.
ويضاف إلى ذلك أنها “تكسر جدار الخوف”، ويرجح الكاتب يوسف أن “تكون متتالية وتجتاح مدن الساحل”.
ومن الملاحظ أن “الحراك غير منظم وغير منضبط كما يدعي النظام السوري، فالأصوات التي انطلقت من الساحل كانت من مستويات ثقافية متعددة”، ويعتقد الصحفي وقاف أنها “لن تخمد بسهولة”، لاعتبار يتعلق بمستوى الانتقاد “الذي يطال منذ البداية رأس النظام”.
“الأصوات تعبر عن انكشاف ادعاءات الأسد السابقة، وتكشف حجم الخديعة التي مارسها على بيئته الحاضنة ليزجهم في أتون حرب طاحنة جعلتهم يخسرون خيرة شبابهم”.
ويضيف وقاف: “هذا ينبئ بتطور الحراك بشكل حتمي”.
“مرحلة جديدة”
وتواصل الأوضاع في سوريا التدهور باتجاه “الأسوأ”، ولا توجد أي بوادر للحل السياسي أو ضوء في آخر النفق، وكذلك الأمر بالنسبة للوضع المعيشي، الذي وصل إلى مستويات “خطيرة”، حسب منظمات دولية.
وكان الأسد وزوجته أسماء قد اعتادوا خلال السنوات الماضية إجراء زيارات إلى مدن وقرى وبلدات الساحل السوري ذات الغالبية العلوية، ووجهوا سلسلة رسائل مؤخرا تتعلق بالوضع المعيشي، والعمل من أجل تحسينه.
لكن لم يترجم ذلك على الأرض، وعلى العكس جاءت القرارات الأخيرة برفع الدعم وما تلاها من شلل حالة النقل والتهاب الأسعار، لتزيد من حالة الانسداد على نحو أكبر، فيما أسفرت عن انفجار شعبي تتصدره الآن مدينة السويداء، ذات الغالبية الدرزية.
وتعتقد الناشطة، هنادي زحلوط، أن “الحراك الذي يبنى من تسجيلات معينة ويثير جدلا سياسيا داخل وخارج سوريا سيتحول بالضرورة إلى حراك حقيقي، لأن عجلة التاريخ والصيرورة التاريخية تمضي للأمام دائما”.
وتقول: “الناس في الفترة الأولى بحاجة إلى التنفيس عن الواقع والحديث عن المعاناة، ومن ثم هناك درجة من الوعي لتشخيص المشكلة وأسباب الجوع والغلاء”.
حالة من الغضب بسبب تضييق النظام السوري على المواطنين في البلاد
“الناس يتحدثون عن النظام في دمشق بأنه سبب الأزمة على كل المستويات، والسوريون في الداخل على ثقة أنهم سيخرجوا بحلول تناسب وضع البلد وخصوصيته وتاريخيه”.
وتضيف الناشطة: “تعلمنا من التجربة السورية أنه لا يمكن التنبؤ بكيف ستسير الأمور، لكني لدي رهان على السوريين الذين خاضوا تجربة قاسية لم يخضها أي شعب منذ الحرب العالمية الثانية”.
وتتابع: “السوريون اختبروا كل القناعات والأفكار، ووصلوا في الداخل والخارج إلى قناعة أنه يجب العمل معا من أجل مستقبل بلد لا يمكن العيش فيه دون النهج التشاركي”، وأنه “لا يمكن أن تقوم سوريا دون المشاركة من الجميع وبأفكار وجهد الجميع”.
ويوضح الكاتب السوري يوسف أن “النقطة الأهم في الوقت الحالي هي ضرورة تنظيم هذا الجهد وعدم تركه بشكل فردي”، في إشارة منه إلى الأصوات المنتقدة لسلطة الأسد في الساحل.
ويضيف أن “كل الأصوات تنطلق من هدف واحد ولو أنها غير منسقة، وقد يكون التنسيق مرحلة تالية سيكون للنخب السياسية والثقافية دورا وأهمية فيها”.
“السوريون في كل البلاد وخاصة في مناطق سيطرة النظام والساحل في مرحلة جديدة، ويجب عليهم دراستها بدون انفعال وبهدوء”، ويتابع الكاتب السوري: “يوجد بناء شعبي يتزامن مع بدء انهيار النظام، ويجب على كل السوريين المساعدة في تأسيسه في المرحلة المقبلة”.
أثارت تصريحات لوزير الموارد المائية والري المصري، هاني سويلم، الثلاثاء، أن بلاده تقترب من خط الشح المائي بنصيب يقارب 500 متر مكعب للفرد سنويا، تساؤلات بشأن الأسباب والمآلات وكيفية مواجهة الأزمة مع تزايد الاحتياجات نظرا للزيادة السكانية والتغيرات المناخية، فضلا عن أزمة سد النهضة الإثيوبي.
وجاءت تصريحات سويلم خلال جلسة “متابعة نتائج مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمياه”، مؤكدا أن هذا الأمر يستلزم اتخاذ إجراءات عدة لتحقيق مبادئ الحوكمة في الإدارة للتعامل مع هذه التحديات.
لكن محي الدين عمر خبير شؤون المياه في المركز الدولي للبحوث الزراعية في الأراضي الجافة (إيكاردا) التابع للمنظمة الاستشارية الدولية للبحوث الزراعية، في حديثه مع موقع “الحرة” يرى أن مصر تعاني بالفعل حاليا من الشح المائي “نحن دخلنا هذه المرحلة بالفعل”.
وقال عمر الذي عمل سابقا أستاذا مساعدا بالمركز القومى لبحوث المياه، في مصر، إن نصيب الفرد من المياه، لا يعني ما يستخدم للشرب فقط وهو قليل للغاية، وإنما مجموعة من الاستخدامات، تشمل أيضا الصناعة، فضلا عن الزراعة التي تمثل النصيب الأكبر.
وأضاف: “بالنسبة لنا مواردنا تقريبا هي فقط ما يصلنا من مياه نهر النيل وهو 55.5 مليار متر مكعب سنويا والباقي سواء مياه الأمطار أو البحيرات نسبة لا تذكر، فمياه الأمطار تمثل حوالي مليار متر مكعب في العام فقط”.
وأضاف: “عندما نقسم 55 مليار متر مكعب على عدد سكان مصر، البالغ عددهم تقريبا 110 ملايين، فسنعلم أننا بالفعل في مرحلة الشح أو الفقر المائي”.
ما هي الأسباب؟
من جهته، أكد وزير الموارد المائية المصري الأسبق، محمود أبو زيد، في حديثه مع موقع “الحرة” أن مصر تعاني من فجوة بين الموارد والاحتياجات، “كما أن استخداماتنا للمياه تزيد باستمرار، والموارد ثابتة، وبالتالي، الفجوة تتسع”.
وعن أهم أسباب معاناة مصر من الفقر المائي قال إنها “تتمثل في الزيادة السكانية والتغيرات المناخية، والتطور في الاحتياجات الاقتصادية، فضلا عن الإسراف في استخدام المياه من قبل البعض”.
ويوضح أبو زيد، مسألة التغيرات المناخية، بأنه “عندما يحدث ارتفاع في درجات الحراراة، فإن ذلك يؤدي إلى تبخر المياه، وزيادة في حاجة المحاصيل والنباتات التربة للمياه بسبب الحر الشديد”.
كيفية سد العجز المائي
يؤكد عمر أنه “عندما تكون الاحتياجات أكثر من الموارد يحدث العجز المائي، وبالتالي يجب البحث عن تغطيته عن طريق مياه الصرف الزراعي أو معالجة مياه الصرف الصحي، وفي بعض الأحيان من خلال مياه جوفية عميقة”.
غير أن عمر يؤكد أن كل ذلك لا يعني أن الفرد لن يجد مياه الشرب، “لأن أي بلد تضع هذا الأمر أولوية أولى لديها، لكننا قد نواجه عجزا مائيا لسد الاحتياجات الزراعية تحديدا”.
وأضاف: “بعض البلاد لديها القدرة على تعويض الفقر المائي من خلال استيراد المنتجات الزراعية من الخارج مثل دول الخليج التي لديها شح مائي، لكن بلدا مثل مصر وهي أكثر دولة تعاني في المنطقة كلها، تعاني من مستوى دخل منخفض بالإضافة إلى وضع اقتصادي، لا يمكنها من تعويض الفقر المائي، وهو ما يؤثر على الأمن الغذائي والقومي”.
من جهته يقول أبو زيد، إن “هناك استراتيجية مفصلة وضعتها وزارة الموارد المائية والري حتى 2037 تتضمن الاحتياجات والموارد وكيفية الموازنة بينهما بالتفصيل، وبالإضافة إلى ذلك، هناك استراتيجة عامة حتى عام 2050 لم يتم توضيح تفاصيلها حتى الآن”.
وأضاف: “المطلوب تنفيذ هذه الاستراتيجيات لمواجهة الشح المائي”، مشيرا إلى أن هناك بالفعل مشروعات لإعادة استخدام المياه، مثل محطات المحسمة، وبحر البقر، والحمام”.
يؤكد عمر من جانبه أنه “يجب التوسع في مشاريع تحلية المياه لتعويض الزيادة السكانية الرهيبة في مصر، هذا الأمر ليس رفاهية وإنما هو لازم وليس لدينا بدائل أخرى، ولابد من زيادة الموارد بشكل دائم، لأنها تقل عاما بعد عام، وهو ما يمثل مصدر تهديد”.
“البديل الوحيد”
وفي حديثه خلال جلسة الأمم المتحدة، الثلاثاء، قال وزير الموارد المائية، إن المستقبل سيشهد التوسع باستخدام تحلية المياه في إنتاج الغذاء لمواجهة الزيادة السكانية؛ بشرط استخدام وحدة المياه بالشكل الأمثل الذي يحقق الجدوى الاقتصادية، مع أهمية التوسع في استخدام التكنولوجيا الحديثة والطاقة المتجددة في التحلية مما سيسهم في تقليل التكلفة.
وبحسب ما نقلت صحيفة “الأهرام” الحكومية، عن وزير الموارد المائية والري السابق، في أكتوبر 2021، فإن مشروع محطة معالجة مياه مصرف بحر البقر، تبلغ طاقته 5.60 مليون متر مكعب فى اليوم، وأن محطة الحمام؛ لمعالجة مياه الصرف الزراعي في غرب الدلتا، بطاقة 7.50 مليون متر مكعب فى اليوم، بالإضافة إلى سحارة مصرف المحسمة، بطاقة مليون متر مكعب واحد فى اليوم.
ووصف موقع رئاسة الجمهورية، محطة مياه مصرف بحر البحر، بأنه الأكبر في العالم، ويساهم في استصلاح ٤٥٦ ألف فدان من خلال إعادة تدوير وتشغيل مياه الصرف الزراعي والصناعي والصرف الصحي التي سيتم تحويلها إلى الضفة الشرقية أسفل قناة السويس.
كما أشار موقع خريطة مشروعات مصر، إلى أن محطة الحمام التي تبنى بالساحل الشمالي تهدف إلى استصلاح وزراعة حوالى 500 ألف فدان غرب الدلتا.
ويوضح عمر في حديثه مع موقع “الحرة” أن التحلية هنا “لا تعني تحلية مياه البحر، لأن ذلك يعني مبالغ طائلة ومشاريع باهظة التكاليف، وإنما يقصد هنا هو معالجة مياه الصرف الزراعي أو الصحي”.
ويوضح أنه “بعد ري الأراضي الزراعية، تتبقى مياه زائدة عن حاجة النبات، لغسيل أملاح التربة، ولابد من صرفها حتى لا يحدث اختناق في منطقة الجذور في التربة، وبالتالي صرف هذه المياه لمعالجتها لإعادة استخدامها أكثر من مرة لسد العجز الموجود”.
وأضاف: “علينا التفكير طوال الوقت في موارد مائية بديلة لمواكبة الزيادة السكانية والمشاريع الصناعية وما يتطلبه من استهلاك أكثر للغذاء وبالتالي محاصيل أكثر واحتياج متزايد للمياه”.
واعتبر أن الحكومة المصرية تضع خططا، تتغير حسب التحديات المتسارعة، وفي الفترة الأخيرة اتخذت قرارات فيما يخص الري والمياه مثل المحاصيل الشرهة للمياه، إذ تم تحديد المساحات التي تتم زراعتها للرز وقصب السكر على سبيل المثال، كما أن الحكومة بدأت في التركيز على نظم ري بديلة عن الري التقليدي، وهناك بالفعل حاليا مشاريع يتم فيها استخدام الري بالتنقيط”.
تأثير سد النهضة
ويؤكد عمر أنه ليس هناك دراية واضحة خاصة بتأثير سد النهضة الإثيوبي على مصر حتى الآن، لكنه يقول “بالتأكيد سيكون هناك تأثير سلبي”.
وقال: “لن يظهر التأثير المباشر لسد النهضة في سنواته الأولى، لأن لدينا مخزونا استراتيجيا يمكننا الاعتماد عليه لتعويض الاحتياجات المائية للمزارعين، ولكن بلا شك، سد النهضة سيقلل من كميات المياه القادمة لبحيرة ناصر التي تعتبر مخزونا استراتيجيا لمصر، لكننا لا نعلم متى سيحدث هذا التأثير بالضبط”.
من جانبه يقول أبو زيد إن الموقف سيصبح أكثر خطورة “عندما يكون هناك ما يسمى بـ”الجفاف الممتد” أي يطول لعدة سنوات متتالية، حيث سيكون فيها الفيضان منخفضا”.
وأوضح: “التأثير حينها سيتعلق بتصرفات الجانب الإثيوبي في سنوات الجفاف وإن كانوا سيتحكمون في مرور المياه وسيخفضون ما يصل إلينا ولأي فترة”.
ومنذ 2011، تتفاوض مصر والسودان وإثيوبيا للوصول إلى اتّفاق بشأن ملء سدّ النهضة وتشغيله، إلا أنّ جولات طويلة من التفاوض بين الدول الثلاث لم تثمر حتى الآن اتفاقاً.
ورغم أن مصر والسودان حضتا مرارا إثيوبيا على تأجيل خططها لملء خزان السد إلى حين التوصل لاتّفاق شامل، فقد أعلنت أديس أبابا في 22 يونيو الماضي استعدادها لإطلاق المرحلة الرابعة من ملء خزّان السدّ الذي نبلغ سعته نحو 74 مليار متر مكعب من المياه.
هل ستصرف إيران عائدات صفقة الرهائن الأميركييين على ميليشياتها المنتشرة في العالم العربي، أم على الدواء والغذاء لشعبها، حسبما ورد في نص الاتفاق؟ وهل ترافقت الصفقة مع أيّ اتفاق سرّي بين واشنطن وطهران؟ وهل تثبت صفقة الرهائن استحالة عقد “الصفقة النووية الكبرى” بين واشنطن وطهران حاليا؟
أسئلة فرضت نفسها فور إعلان صفقة تحرير الرهائن الأميركيين في إيران، مقابل تحرير ستة مليارات دولار أميركي من أموال طهران المجمدة في كوريا الجنوبية.
برنامج “عاصمة القرار” من قناة “الحرة” طرح هذه الأسئلة وغيرها على ضيفيه: الباحث الأميركي- الإيراني سينا أزودي، وهو أستاذ مساعد في “جامعة جورج واشنطن” الأميركية، وعلى غابرييل نورونها، الباحث في “المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي”، والذي عمل في إدارة ترامب كمستشار خاص بشؤون إيران في وزارة الخارجية الأميركية. كما شارك من طهران في جزء من الحوار، السفير الإيراني السابق مجتبى فردوسي بور .
تغيير في السياسة الأميركية؟
يقول وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن: “لم يتغير شيء بشأن مقاربتنا لإيران. نواصل اتباع سياسة ردع وضغط ودبلوماسية. ونظل ملتزمين بضمان عدم حصول إيران على سلاح نووي. نواصل تحميل إيران المسؤولية عن انتهاكات حقوق الإنسان والأنشطة المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، وتمويل الإرهاب، وإمداد روسيا بالمسيرات لاستعمالها في حربها ضد أوكرانيا”.
لكن هناك جانب آخر من المسألة، هو إعادة ستة مليارات دولار أميركي لإيران. الأمر الذي يصفه الجمهوريون بالفدية، ويعتبرونه إسترضاءً من بايدن لطهران: يقول مايك بنس، نائب الرئيس الأميركي السابق: “يجب أن يعلم الشعب الأميركي أن الرئيس بايدن قد أذن بدفع أكبر فدية في التاريخ الأميركي للملالي في طهران”.
ويرد عليه السناتور الديمقراطي كريس ميرفي بالقول: إن تسمية صفقة إعادة الرهائن بـ”فدية” هو نفاق سياسي. ويضيف: هذه أموال إيران. نحن نعيدها ، ولكن فقط من أجل الدواء والغذاء للمحتاجين. إنها إغاثة إنسانية. لقد ترك ترامب هؤلاء الرهائن ليموتوا. أنا سعيد لأن بايدن يهتم كثيرا بإعادة الأميركيين إلى الوطن.
وفي السياق عينه وجّه ستة وعشرون عضواً جمهورياً في مجلس الشيوخ الأميركي رسالةً إلى وزيري الخارجية والخزانة للمطالبة بإجابات من إدارة بايدن خلال شهر واحد بشأن الافراج عن حوالي ستة مليارات دولار لإيران مقابل سجناء أميركيين. يقول المشرعون: “نحن قلقون أيضًا من أن إدارة الرئيس بايدن تحاول تجاوز الكونغرس، وتتبع مسارات أخرى لتعويض إيران مالياً في محاولة لإعادة التفاوض على بديل للاتفاق النووي المشؤوم لعام 2015”.
يُرحب سينا أزودي بأي “تفاهم يًساعد على تخفيف التوتر بين إيران والولايات المتحدة”. ويضيف الباحث الأميركي الإيراني: “إن وصف الأمر بالفدية هو خطأ، لأن هذه أموال إيران مجمدة، تستعيدها طهران لصرفها، باشراف الولايات المتحدة، على الطعام والأدوية. إن قوّة الولايات المتحدة تكمن في قدرتها على الانخراط مع خصومها”. ويعتبر غابريال نورونها أن “هذا الاتفاق هو أسوء سبيل لتحرير الرهائن الأميركيين، لأن الجمهورية الإسلامية ستعتبر أنها ستحصل على محفزات مالية لإطلاق الرهائن. وبالتالي ستحتجز غيرهم في المستقبل. لا يمكن أن نقدم حوافز مالية لدولة تستعمل المواطنين الأميركيين والأوروبيين كأوراق جيو سياسية. هذا خطِرٌ جداً، والأموال ستذهب لدعم الإرهاب الذي ترعاه إيران، والكونغرس الأميركي لا يملك أدوات اجرائية إيقاف هذه الصفقة”.
يقول السفير الإيراني السابق مجتبى فردوسي بور ، إن “الأموال المحتجزة هي أموال إيرانية، ومن حق إيران صرفها على ما تريد. وينبغي التفريق بين صفقة السجناء وملف المفاوضات النووية بين إيران وأميركا”.
هل ستقع المليارات المحررة في يدّ الحرس الثوري الإيراني؟
يشدد جون فاينر، نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، أنه : “لا يمكن لإيران استخدام الستة مليارات دولار إلا لأغراض إنسانية. نحن واثقون من ذلك لأن وزارة الخزانة الأميركية تشرف على جميع الأموال الموجودة في هذا الحساب، وسنكون قادرين على مراقبة أي معاملات يتم استخدامها للتأكد من أنها تستخدم للأغراض الصحيحة”. وفي ضوء بعض الانتقادات التي تم توجيهها للاتفاق، يقول جون فاينر: “أن هذه حسابات، وهذه عملية تم إعدادها بالفعل في ظل الإدارة السابقة (إدارة دونالد ترامب)، والتي تم استخدامها خلال تلك الإدارة للمشتريات الإيرانية”.
ويشدد جون كيربي، مسؤول التواصل الاستراتيجي في مجلس الأمن القومي الأميركي، على أن “النظام الإيراني لن يحصل على فلس واحد” من صفقة تحرير الرهائن. ويضيف: “ما نتحدث عن القيام به هو نقل صندوق الأصول الإيرانية المجمدة إلى بلد مثل قطر بحيث يكون بمقدور الإيرانيين الوصول إلى هذا الصندوق، ولكن فقط في حالات محدودة وإنسانية. سيكون للولايات المتحدة وقطر وثماني منظمات دولية عاملة في مجال المساعدات حق الفيتو على أي سحب، للتأكد من أنه سيتوجه للشعب الإيراني وليس النظام. إن الصندوق مخصص للطعام والأدوية والمعدات الطبية”.
تعتقد صحيفة وول ستريت جورنال في افتتاحيتها أن: إيران ستتصرف الآن كما فعلت خلال ولاية أوباما بعد حصولها على الأموال مقابل الاتفاق بشأن برنامجها النووي، من خلال توظيف ما ستحصل عليه لنشر الفوضى في الشرق الأوسط وخارجه. وتضيف الصحيفة، أن ما تقوم به إدارة بايدن بمثابة تمويل لأنشطة إيران الخبيثة، وتشجيع لها على احتجاز مزيد من الأميركيين.
وتقول السناتورة الجمهورية جوني إرنست: إن “إسترضاء الرئيس بايدن لإيران زاد ثروتها بـ 6 مليارات دولار. وهي أموال ستذهب إلى المنظمات الإرهابية التي تحاول قتل الأميركيين في الداخل والخارج”.
صفقة يتيمة أم جزء من اتفاق “ضمني”؟
يقول فيدانت باتيل، نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية:” ليس لدينا الآن أي نوع من الاتفاق مع إيران على أي أجندة نووية مزعومة”.
ويذهب الباحث الأميركي ريتشارد غولدبرغ إلى أبعد من صفقة الرهائن: إن “قرار الرئيس بايدن دفع ستة مليارات دولار لإيران لتحرير خمس رهائن أميركيين، هو اتفاق ضمني مع طهران يعزز موقف آية الله في الشرق الأوسط ويحرر النظام الإيراني لعبور عتبة الأسلحة النووية في الوقت الذي يختاره”.
ويعتقد الكاتب الأميركي دانيال دي بيتريس إن “معظم الانتقادات الموجهة إلى صفقة تبادل الرهائن بين الولايات المتحدة وإيران يغذيها النفور من التفاوض مع طهران حول أي موضوع، في أي وقت، ما لم يؤد ذلك إلى استسلام إيران التام. تتطلب الدبلوماسية الحقيقية تنازلات، والصفقات المثالية بعيدة المنال”.
على ذلك يُضيف الكاتب الأميركي آرون ديفيد ميلر أنه “ليس هناك صفقات جيدة مع إيران؛ إن واقع الحال هو أنه مع طهران ليس هناك سوى خيارين: صفقات سيئة وأخرى أسوأ. إن العلاقة بين واشنطن وطهران محكومة بسياسات داخلية تقلص هامش التحرك، وتجعل أي اتفاقات بينهما ذات طابع تبادلي، ومحدودة وغير شاملة”.
من ريغان إلى بايدن، يمتد تاريخ الرهائن الأميركيين في إيران. ولا تزال إيران ترفع كلّ مرّة من مبلغ الفدية التي تطلبها للإفراج عن رهائن أميركيين لديها. فهل يعتمد الرئيس بايدن “سياسة واقعية” لإدارة النزاع مع إيران بدل حلّه في ظروف سياسية تجعل الحل مستحيلاً؟. علماً أن الملف الإيراني سيكون في صلب نقاشات حملة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.