مع تواصل حرب الكرملين على أوكرانيا، استطاعت كييف في الآونة الأخيرة تنفيذ العديد من الهجمات داخل الأراضي الروسية، بعضها كانت تسعى إلى تحقيق أهداف استراتيجية، كتقليص التفوق الجوي للجيش الغازي، وأخرى حملت “رسائل إذلال” عبر استهداف مبان داخل العاصمة موسكو، وعلى بعد كليومترات قليلة من مقر إقامة الرئيس، فلاديمير بوتين، بحسب خبراء ومحللين.
وفي مسعاها لإضعاف التفوق الجوي لموسكو في الحرب، قالت شبكة “سي إن إن” الأميركية، إن أوكرانيا تتبع استراتيجية، تهدف إلى “مهاجمة القواعد التي تضم طائرات حربية فرط صوتية (أسرع من الصوت) داخل الأراضي الروسية”.
وكانت المخابرات العسكرية البريطانية قد رجحت، الثلاثاء، أن يكون الهجوم الذي استهدف مطارا في عمق الأراضي الروسية بطائرة مسيرة مطلع هذا الأسبوع، قد تسبب في تدمير قاذفة بعيدة المدى من طراز “تو-22إم3″، وفقا لما ذكرت صحيفة “غارديان” البريطانية.
وقالت المخابرات العسكرية البريطانية في إفادة تصدرها بانتظام عن الوضع في أوكرانيا: “نرجح بشدة أن القاذفة (باك فاير) من (طراز تو-22إم3) التابعة للطيران طويل المدى (أحد أفرع القوات الجوية) في روسيا، دُمرت على الأرجح في قاعدة سولتسي-2 الجوية في نوفغورود أوبلاست، على بعد 650 كيلومترا عن حدود أوكرانيا”.
وأضافت: “هذا هو ثالث هجوم ناجح على الأقل على مطارات الطيران طويل المدى، مما يثير تساؤلات بشأن قدرة روسيا على حماية مواقع استراتيجية في عمق أراضيها”.
وقالت وزارة الدفاع الروسية، السبت، إن طائرة مسيرة أوكرانية شنت هجوما على مطار عسكري بمنطقة نوفغورود، حيث توجد هذه القاذفات، مما تسبب في إلحاق أضرار بواحدة منها”، مشيرة إلى أنها أسقطت المسيرة بنيران أسلحة صغيرة دون وقوع إصابات، حسب وكالة “رويترز”.
كما ذكرت وسائل إعلام أوكرانية نقلا عن مسؤولين في استخبارات الدفاع الأوكرانية لم تذكر أسماءهم، أن الهجمات على القواعد الروسية خلال الأيام القليلة الماضية “دمرت عدة طائرات، بما في ذلك قاذفتين”.
وأظهر تحليل أجرته “سي إن إن” لصور الأقمار الاصطناعية لقاعدة عسكرية في سولتسي بمنطقة نوفغورود، شمال غربي روسيا، أن “القاعدة كانت تستخدم لإيواء الطائرات الأسرع من الصوت من طراز (Tu-22M3)”.
وتظهر صورة جرى التقاطها في 8 أغسطس عددا من قاذفات القنابل من طراز “توبوليف 22” متوقفة هناك.
ثم تظهر صورة تم التقاطها في 21 أغسطس أرضا متفحمة حيث كانت إحدى طائرات “Tu-22M3 متوقفة، بينما يبدو أن بقية الطائرة قد تم نقلها.
“المسيرات مفاجأة الحروب”
وتعقيبا على تلك التقارير، يرى الخبير العسكري، إسماعيل أيوب، في تصريحات لموقع “الحرة” أن هذه التطورات “تؤكد أنه لا يوجد نظام أمني متكامل في أي بلد بالعالم”، مضيفا: “على سبيل المثال جميعنا نذكر واقعة المنطاد الصيني الذي حلّق فوق سماء الولايات المتحدة لعدة أيام، قبل اكتشافه وإسقاطه”.
استراتيجية أوكرانية لقلب الموازين.. استهداف طائرات روسيا فرط الصوتية
أفادت شبكة “سي إن إن” الإخبارية بأن أوكرانيا تعمل على إضعاف التفوق الجوي لموسكو في الحرب من خلال مهاجمة القواعد التي تضم طائرات حربية أسرع من الصوت داخل الأراضي الروسية.
وأضاف: “الجيش الروسي من المفترض أنه يمتلك دفاعات جوية قوية، لكن الطائرات المسيرة أصبحت مفاجأة الحروب، فالنسخ المتقدمة منها تُصنع من اللدائن (مواد بلاستيكية) بحيث لا تستطيع رادارت قوات العدو أن ترصدها”.
واستطرد أيوب: “أوكرانيا حصلت على طائرات مسيرة متقدمة من الحلفاء الغربيين، ولديها إمكانيات هائلة من حيث القدرة على تنفيذ مهامها بشكل دقيق وناجع إلى حد كبير، وهو ما رأيناه أيضا في الهجمات التي استهدفت موسكو”.
وبدوره، اتفق المحلل والخبير العسكري، العميد أحمد رحال، مع ذلك التحليل، مضيفا في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة”: “الطائرات المسيرة سلاح فعال وقوي وزهيد الثمن مقارنة بغيره من الأسلحة، وهناك أنواع من الطائرات المسيرة قادرة على الوصول إلى أهدافها حتى لو كانت تبعد عشرات آلاف الأميال، مادامت هناك إمكانية للتحكم بها عن بعد”.
ورأى رحال أن الجيش الأوكراني “قادر على الاستمرار في تنفيذ هذه النوعية من الهجمات، طالما أنها لا تزال تحصل على الدعم العسكري واللوجسيتي من حلفائها في حلف شمال الأطلسي”.
وبحسب معهد دراسات الحرب ومقره واشنطن، فقد ادعى العديد من المدونين العسكريين الروس أن القوات الأوكرانية “استخدمت طائرة بدون طيار صغيرة وغير مكلفة نسبيا لشن الهجوم”، وانتقدوا وزارة الدفاع الروسية لعدم وضع الطائرات داخل الحظائر، حيث كان من الممكن حمايتها.
وأضاف المعهد: “رغم أن الضرر أو تدمير قاذفتين من طراز (Tu-22M3) لن يكون له تأثير عسكري كبير، فإن رد فعل المدونين العسكريين الروس يظهر أن مثل هذه الهجمات العميقة، تدعم الجهود الأوكرانية الأكبر لتحطيم الروح المعنوية الروسية”.
من جانبه، سخر نائب رئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية، أندريه يوسوف، من المحاولات الروسية للتقليل من شأن تدمير قاذفة استراتيجية على الأقل، وغيرها من هجمات الطائرات بدون طيار.
وقال يوسوف للتلفزيون الوطني: “من المحتمل أن تكون بعض طيور الحمام الكبيرة قد أسقطت شيئًا ما على طائرات Tu-22M3”.
وتابع بلهجة مستهزئة: “في موسكو، لا توجد انفجارات، ومن المحتمل أن تعمل المطارات والرحلات الجوية وفقًا للجدول الزمني، ولا توجد تغييرات.. بشكل عام، كل شيء يسير حسب الخطة”.
وكان تحقيق قد نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية قد أشار إلى أنه قد جرى استخدام ما لا يقل عن 3 طائرات بدون طيار أوكرانية الصنع في هجمات داخل روسيا، بما في ذلك موسكو، وذلك حتى نهاية يوليو الماضي، مما يشير إلى الدور كييف في تنفيذ ضربات بالاعتماد قدراتها الذاتية.
ووجد تحليل الصحيفة المستند إلى لقطات لمسار تلك الطائرات وبقايا حطامها، بالإضافة إلى مقابلات مع خبراء ومسؤولين، أن أوكرانيا “تتسابق لتوسيع أسطولها من الطائرات بدون طيار محلية الصنع، مما يعني استمرار الهجمات بشكل متكرر في عمق الأراضي الروسية”.
وقال صامويل بينديت، خبير الأنظمة العسكرية المستقلة في برنامج الدراسات الروسية التابع لمركز التحليلات البحرية، وهي منظمة بحثية مقرها في ولاية فرجينيا الأميركية، إن “نوع التصميم الذي تستخدمه أوكرانيا في صناعة الطائرات المسيرة، يمكن أن يوفر فوائد معينة للهجمات بعيدة المدى”.
وأوضح أن “وجود المحرك في الجزء الخلفي من الطائرات، قد يكون أكثر ملاءمة لحزمة أجهزة الاستشعار، باعتبار أنه لا يوجد شيء يعيق الرؤية والاستكشاف عبر جهاز الاستشعار”.
وأردف: “تلك التصاميم تجعل تلك الطائرات أكثر قدرة على مقاومة الرياح والظواهر الطبيعية الأخرى، والوصول إلى أهدافها بكفاءة أكبر”.
ثاني أقوى جيش بالعالم.. و”مستنقع الفساد”
وبحسب تصنيف مؤشر “غلوبال فاير باور” لسنة 2023، فإن الجيش الروسي يعتبر “ثاني أقوى جيش في العالم” بعد جيش الولايات المتحدة، في حين جاء ترتيب الجيش الأوكراني في المرتبة الـ15، بعد الجيش المصري مباشرة.
وفيما بلغ عدد المجندين الروس 3 ملايين و500 ألف جندي، لا يتعدى عدد المجندين في الجيش الأوكراني مليون ومئتي ألف.
وفي حين أن لدى روسيا نحو مليوني جندي احتياطي، لا يتعدى عددهم في أوكرانيا 900 ألف.
تقرير مخابراتي يكشف الكثير.. مسيرة أوكرانية دمرت قاذفة روسية استراتيجية
رجحت المخابرات العسكرية البريطانية، الثلاثاء، أن يكون الهجوم الذي استهدف مطارا في عمق الأراضي الروسية بطائرة مسيرة مطلع هذا الأسبوع قد تسبب في تدمير قاذفة بعيدة المدى من طراز تو-22إم3.
ويبلغ معدل الإنفاق السنوي للجيش الروسي 42 مليار دولار، فيما يصل في أوكرانيا إلى 9 مليارات و600 مليون دولار.
ولدى سؤال العميد رحال عن سر “ضعف” منظومة الدفاع الجوي الروسية أمام الهجمات الأوكرانية الأخيرة، أجاب: “صحيح أن روسيا تملك ثاني أقوى جيوش العالم، لكن ينبغي الاعتراف بأن معظم أسلحته تعتبر متهالكة وقديمة، مقارنة بما تملكه الدول الغربية التي تدعم أوكرانيا في مواجهة هجوم القوات الروسية على أراضيها”.
وأضاف: “نسبة الفارق في القوى ما بين روسيا وأوكرنيا هي 1 إلى 10، بمعنى أنه إذا كانت كييف لديها طائرة، فإن روسيا تملك 10، وإذا كان عند موسكو 100 دبابة فإن أوكرانيا تمتلك 10 فقط”.
وزاد: “قبل الغزو الروسي كانت أوكرانيا تمتلك 176 طائرة، بينما كان لدى روسيا 1511 طائرة مقاتلة ذات مهام مختلفة، ولا تزال قادرة على إنتاج المزيد”.
وشدد رحال على أن “السلاح الروسي متهالك وقديم وغير مصان، وهناك سوء في عمليات التخزين والتغطية والإمدادات، وبالتالي فإن الفساد ينخر (ثاني أقوى جيش بالعالم) بشكل فج وكبير”.
وأردف: “في المقابل، صحيح أن الجيش الأوكراني أضعف من حيث العدة والعتاد، لكن الأسلحة التي حصل عليها من الحلفاء الغربيين جعلته يتفوق في الكثير من المراحل، إلى أن وصل إلى مرحلة أنه أصبح قادرا على استهداف موسكو وغيرها من المدن الروسية عبر هجمات بالطائرات المسيرة”.
تحذير من “رد روسي قاس”
أما الخبير العسكري أيوب، فاعتبر أن “استمرار الهجمات الناجحة داخل موسكو، ومع ضعف قدرة منظومة الدفاع الجوي على التصدي لها بشكل فعال، قد تؤدي إلى ردود فعل قاسية من قبل الجيش الروسي في أوكرانيا، أكثر مما رأيناه حتى الآن”.
وتابع شارحا وجهة نظره: “موسكو لم تستخدم حتى الآن كل أسلحتها في حربها على أوكرانيا، فهي تملك أسلحة محظورة وشديدة التدمير، مثل القذائف الانشطارية والقنابل العنقودية ومواد كيماوية، ناهيك عن إمكانية استخدام أسلحة نووية تكتيكية”.
وفي حال أثر التواجد الروسي في سوريا على قدرات موسكو في التصدي للهجمات الأوكرانية، أجاب رحال: “هذا أمر غير صحيح نهائيا، فقوات الكرملين ليس لديها سوى 6 طائرات مقاتلة وبضعة مروحيات قد لا يتجاوز عددها 12 قطعة في قاعدة حميم في سوريا”.
واختتم حديثه بالقول: “هنا أكرر أن منظومة الدفاع الجوي التي تملكها موسكو قديمة ومتهالكة، ولا يمكن مقارنتها بما تملكه أوكرانيا من منظومات دفاع جوي متقدمة، مثل صواريخ باتريوت الأميركية”.