أثار مقترح قانون لتنظيم الإعلام في الكويت ردود فعل واسعة من قبل برلمانيين ونشطاء حقوقيين، قالوا إنه “يقوض ديمقراطية” الدولة الخليجية ويمثل “انقلابا” على دستور البلاد.
والكويت، الدولة الثرية والمحافظة، هي الوحيدة بين بلدان الخليج التي تتمتع بحياة سياسية نشطة، رغم أن المناصب السيادية تبقى في أيدي أسرة آل الصباح الحاكمة.
ومؤخرا، انتهت وزارة الإعلام من إعداد مشروع قانون جديد “بعد مراجعته من قبل إدارة الفتوى والتشريع”، حسبما ذكرت صحيفة “القبس” المحلية.
على ماذا ينص مشروع القانون؟
وطبقا للصحيفة ذاتها، فإن مشروع القانون الجديد “يحظر التعرض لشخص ولي عهد الدولة بالنقد”، بعد أن كان القانون الحالي يقصر ذلك على “شخص أمير البلاد فقط”.
كما يتضمن القانون المقترح “حظر نشر أو عرض كل ما من شأنه المساس بالذات الإلهية، والملائكة، والقرآن الكريم، والأنبياء والرسل والصحابة، وزوجات النبي وآل البيت المعاصرين للرسول، بالتعرض أو الطعن أو السخرية أو النقد أو التجريح بأي وسيلة من وسائل التعبير المنصوص عليها”.
“لا يتوافق مع الدستور”
وقال المستشار الحقوقي الدولي، أنور الرشيد، في حديثه لموقع “الحرة”، إن “فرض مثل هذه القوانين يمثل تقويضا للديمقراطية ومصادرة لحرية الشعب”.
وأضاف أن هذا القانون حال تطبيقه “سيضاف إلى مجموعة قوانين مقيدة للحريات تم إقرارها في مجلس 2013، الذي قاطعته المعارضة وسجل أدنى نسبة مشاركة شعبية”.
وتداول مستخدمون لموقع التواصل الاجتماعي “إكس” (تويتر سابقا) وسم (هاشتاغ) بعنوان ” #إلا_حرياتنا” تعبيرا عن رفضهم لهذا المقترح، وطالبوا مجلس الأمة (البرلمان) برفضه.
ورأى المحلل الكويتي المتخصص في الشؤون النيابية، رشيد الفعم، أن القانون “لا يتوافق مع الدستور، الذي يؤكد على حرية الرأي وتعزيز هذا المبدأ على كافة المستويات، إلا فيما يخص الأمور التي لا تشوبها أي شائبة، كالطعن في الذات الإلهية”.
وقال في حديثه لموقع “الحرة”، إن القانون المقترح يحتوي على “عبارات فضفاضة ربما توظف في غير مسارها الصحيح”، مؤكدا على “ضرورة توضيح مفردات القانون حتى تكون الصورة واضحة للشعب”.
واستشهد الفعم بالرفض العلني لعدد من نواب مجلس الأمة لهذا المشروع، الذي تتبناه وزارة الإعلام، وقد يطرح للتصويت تحت قبة البرلمان حال اكتمال الإجراءات اللازمة.
وأعلن عدد من المشرعين رفضهم للمشروع، معتبرين أنه “انقلاب على الدستور، وقمع للحريات، وانتكاسة في مسيرة الديمقراطية”، بحسب “القبس”.
وينص الدستور في المادة 6 على أن “نظام الحكم في الكويت ديمقراطي السيادة، فيه للأمة مصدر السلطات جميعا”.
وقال المشرعون إن القانون المقترح “من شأنه تقييد الحريات وتوسيع نطاق العقوبات، مما يؤدي إلى مزيد من قمع الرأي وتكبيل حرية التعبير وفتح الباب أمام المزيد من الملاحقات القضائية”.
في هذا الإطار، يشير الصحفي الكويتي المقيم في كندا، جاسم الجريد، إلى أن البلاد دخلت “عصرا جديدا” بمثل هذا المقترح، الذي “يحجم حرية الرأي والنقد العام المكفول بالدستور”.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، رأى الجريد أن المشروع “يتناقض بشكل خطير” مع دستور البلاد المكتوب منذ عام 1962، على اعتبار أنه يحظر “تحقير أو ازدراء دستور الدولة، لكنه يقمع حرية التعبير الذي يكفها الدستور نفسه”.
“10 قرون سجن”
وتنص المادة 36 من الدستور على أن “حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما..”.
في المقابل، ردت وزارة الإعلام على ردود الفعل الجدلية التي صاحبت الإعلان عن تفاصيل مشروع القانون من قبل صحيفة “القبس”، قائلة إنها “حريصة على اتباع الأطر الدستورية والقانونية المتعلقة بمشروع قانون بشأن تنظيم الإعلام، بما يضمن تعزيز مستوى الحريات وتطوير العمل الإعلامي الكويتي”.
وزارة الإعلام حريصة على اتباع الأطر الدستورية والقانونية كافة المتعلقة بمشروع قانون بشأن تنظيم الإعلام بما يضمن تعزيز مستوى الحريات وتطوير العمل الإعلامي الكويتي#وزارة_الاعلام_الكويت pic.twitter.com/WLVDFXNzRx
— MOI – وزارة الإعلام (@MOInformation) August 22, 2023
وفي بيان نشرته عبر منصة “إكس”، الثلاثاء، أوضحت الوزارة الكويتية أنها “قامت بعرض مسودة القانون على الجهات الحكومية” المعنية، طلبا للملاحظات، وذلك تمهيدا لإحالته في بداية أكتوبر” للبرلمان.
ومع ذلك، وصف الجريد، الذي خرج من بلاده مؤخرا بسبب ملاحقات قضائية يقول إنها “متعلقة بحرية الرأي والتعبير”، المقترح بأنه يمثل “مفارقة تحدث لأول مرة بتاريخ الكويت”.
وفي هذا السياق، رأى الرشيد أن الكويت “تراجعت بشكل كبير على مستوى الحريات خلال السنوات الماضية، منذ إقرار قوانين قيدت حرية الرأي والتعبير”.
وقال إنه عمل على رصد أحكام السجن الصادرة في قضايا حرية الرأي والتعبير، مردفا: “صدرت بحق مغردين وأصحاب رأي وسياسيين أحكام سجن يصل مجموعها إلى 10 قرون، وهو رقم مفاجئ”.
وبعد استمرار الجدل، الأربعاء، لليوم الثاني على التوالي في الدولة الخليجية البالغ عدد سكانها نحو 4.2 ملايين نسمة، أصدرت وزارة الإعلام بيانا آخر.
وقالت الوزارة، الأربعاء، إنها “ستدعو الخبراء الدستوريين والمختصين ورجال الصحافة والإعلام وجمعيات النفع العام، لحلقة نقاشية حول مسودة مشروع القانون في 25 سبتمبر المقبل”.
وذكر البيان أن الوزارة “ستأخذ” مقترحات وملاحظات الخبراء حول مشروع القانون، “قبل اعتماد المسودة النهائية وتقديمها لمجلس الأمة”.
#وزارة_الإعلام: سيتم توجيه دعوة عامة لجميع الإعلاميين والمختصين والخبراء الدستوريين وجمعيات النفع العام لحلقة نقاشية حول مسودة مشروع قانون تنظيم الإعلام بعد الانتهاء من ملاحظات واقتراحات الجهات الحكومية المعنية في الدولة#وزارة_الاعلام_الكويت pic.twitter.com/bsK5PwE9Zu
— MOI – وزارة الإعلام (@MOInformation) August 23, 2023
ومع ذلك، يرى كويتيون أن “التيارات الإسلامية تؤثر في عملية صنع القرار في البلاد، مما يحول دون تطبيق مفهوم الدولة المدنية”.
وقال الجريد: “الكويت تنجرف لمنطقة سيئة للغاية، بالتنازل عن مقدرات دستورية بسبب الأدلجة وتيارات الإسلام السياسي التي وصلت لمراكز القرار”.
ودلل على أن وزير الإعلام في الكويت، عبد الرحمن المطيري، “هو نفسه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية”.
وتابع: “النقاش حاليا في الكويت هو أن مبادئ الشريعة الإسلامية يجب أن تكون أعلى من الدستور، وهذا أمر خطير لأنه يضع سيادة الدولة في يد متطرفين”.
“ملامح الكويت تغيرت”
وبينما يعتقد الفعم أن هناك “تضخيما لتأثير التيارات الإسلامية على قرارات الدولة”، يؤكد الرشيد أن “الإسلام السياسي يسرق الديمقراطية في الكويت”.
وأضاف الرشيد أن “الدليل على ذلك هو الدعم الذي تحظى به التيارات الإسلامية الثلاثة من قبل الحكومة”، لافتا إلى أن تلك التيارات بشقيها السني والشيعي تملك “تمويلا هائلا وتمثيلا في البرلمان”.
والتيارات الثلاثة، وفقا للرشيد، هي “الحركة الدستورية الإسلامية” (الإخوان المسلمون) و”التجمع السلفي” و”الجمعية الثقافية الاجتماعية” (ممثل حزب الله الشيعي في لبنان).
وأردف الرشيد بقوله: “لديها مقرات وشركات ومصادر تمويل هائلة. كما لديها أبواب مفتوحة من خلال تعيين كوادرها في الوزارات الحكومية”.
وفيما لا يزال تشكيل الأحزاب محظورا في الكويت، تلعب هذه الجمعيات والمجموعات السياسية المختلفة دور الأحزاب على أرض الواقع.
ويكافح الرشيد بصفته حقوقي كويتي دولي لعدم تطبيق هذا “القانون الكارثي” في رأيه، قائلا: “لن أسكت وأترك الملف يمر مرور الكرام. ردود الفعل بشكل عام تشجع على الاستمرار بالضغط في هذا الاتجاه”.
وفي هذا الاتجاه، يعتقد الفعم أن الرفض النيابي المعلن يشير إلى أن “القانون سيُرفض بالأغلبية، مما يعطي دلالة إلى أن بعض البنود يجب أن تراجع”.
لكن الرشيد يعتقد أن مجلس الأمة “من الممكن أن يمرر القانون على اعتبار أن القوى الإسلامية تسيطر على أغلبية المجلس الحالي”.
وأضاف: “إذا مُرر القانون فهو مخالف للدستور ومخالف للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي وقعت الكويت عليه عام 1996، علاوة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”.
والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، هي معاهدة أممية متعددة الأطراف بهدف احترام الحقوق المدنية والسياسية للأفراد، بما يشمل حرية الدين والمعتقد والتعبير عن الرأي والحقوق الانتخابية.
أما الجريد الذي يعيش في كندا، فقال إن الكويت أصبحت “مختطفة من ناحية حرية الرأي والتعبير”، وأن بلاده التي يعرفها “تغيرت ملامحها”.
الكويت.. تطورات الحادث الدامي الذي “تسببت به فاشينستا” وشغل الرأي العام