مفاوضات من 3 محاور”.. المساعدات الإنسانية إلى سوريا تصطدم بـ”شروط الأسد

منذ يوم التاسع من يوليو الحالي، لم تدخل أي قافلة مساعدات أممية إلى مناطق شمال غرب سوريا عبر معبر “باب الهوى” الحدودي، وبينما تواصل الأمم المتحدة التأكيد على عدم استئناف عملياتها بعد، يسود ترقب بشأن آلية التعاطي الجديدة، ولاسيما بعدما فرض النظام السوري “شروطا غير مقبولة”.

وكان مجلس الأمن الدولي قد فشل، الأسبوع الماضي، في الاتفاق على تمديد الآلية، جراء استخدام موسكو، أبرز داعمي النظام السوري حق النقض (الفيتو) لمنع صدور قرار يُمدد العمل بهذه الآلية لتسعة أشهر. 

ورغم أن هذا الموقف الروسي ليس بجديد، وكانت موسكو قد كررته كثيرا خلال السنوات الماضية، إلا أن دخول النظام السوري على الخط كان الأول من نوعه، وكذلك الأمر بالنسبة للرسالة التي سمح من خلالها باستخدام المعبر لسنة أشهر، لكن بشروط “سيادية”، حسب تعبيره.

وتنص رسالة النظام على أنها ستسمح بإدخال المساعدات الإنسانية عبر باب الهوى “بالتعاون الكامل والتنسيق مع الحكومة”، كما طلبت “إشراف اللجنة الدولية للصليب الأحمر” و”الهلال الأحمر العربي السوري” على العملية.

وأشارت الرسالة إلى أن الأمم المتحدة “يجب ألا تتواصل مع المنظمات والجماعات الإرهابية في شمال غرب سوريا”، وهو الأمر الذي اعتبرته الأخيرة “غير مقبول”، بحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع لها (أوتشا).

وعبّر المكتب عن قلقه إزاء الحظر المفروض على التحدث إلى كيانات “مصنفة إرهابية”، وكذلك حيال “الإشراف” على عملياته من جانب منظمات أخرى.

من جانبه، قال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إنهم “يتشاورون مع شركاء مختلفين، ويبحثون في الشروط الواردة في رسالة السلطات السورية”، مؤكدا أنه “لم تعبر أي مساعدات إنسانية للأمم المتحدة”.

“رفع سقف طلبات”

ويقع “باب الهوى” في الريف الشمالي لإدلب، ويعتبر ممرا إنسانيا بارزا تستخدمه المنظمات الأممية وغير الأممية، منذ عام 2014، لتمرير المساعدات من داخل الأراضي التركية إلى سوريا، لتوزيعها على أكثر من 4 ملايين مدني، نصفهم من النازحين. 

وزادت احتياجات هؤلاء النازحين بشكل أساسي بعد كارثة الزلزال المدمّر الذي ضرب المنطقة في السادس من فبراير الماضي.

ويشير المكتب الإعلامي للمعبر الحدودي إلى أن آخر قافلة مساعدات أممية دخلت في التاسع من يوليو الحالي، وكانت تضم 3060 شاحنة محملة بـ 67 ألف طن من المواد الغذائية واللوجستية والطبية.

وأبلغ المكتب موقع “الحرة” أن فترة انقطاع المساعدات في الوقت الحالي تعتبر الأطول من نوعها، قياسا بالسنوات الماضية وعندما كانت موسكو تستخدم حق الفيتو حتى تحقيق النقاط التي تريدها بشأن القضية.

ومن غير الواضح حتى الآن كيف ستتعاطى الأمم المتحدة مع الشروط التي فرضها النظام السوري، وكذلك الأمر بالنسبة إلى ما إذا كان النظام سيصر عليها أم قد يتراجع عنها بموجب “مفاوضات”.

ووفق المحلل المستقل لشؤون سوريا، سام هيلر، “لم ترفض الأمم المتحدة عرض دمشق رفضا تاما، وإنما أشارت في ردها إلى بعض الشروط المتضمنة في الكتاب، والتي تمس بالمبادئ الإنسانية أو تتنافى مع سير عمل العمليات الإنسانية عبر الحدود”.

وقال هيلر لموقع “الحرة”: “ليس إذن دمشق لإيصال المساعدات عبر الحدود أمرا غير مقبول بحد ذاته، بل تكمن المشكلة في الشروط التي وضعتها في الكتاب الخاص بها”.

وأضاف: “الآن نتطلع إلى نتائج مفاوضات الأمم المتحدة مع دمشق، على أمل أن يتوصل الطرفان إلى حل ويتم تذليل العقبات أمام استمرار المساعدات إلى المحتاجين”.

ومع ذلك، قال الباحث إنه “لم يتبين بعد مدى جدية دمشق بشأن بعض الشروط التي وضعتها”، موضحا: “أي إذا كانت تلك الشروط غير المقبولة وفقا للأمم المتحدة يمكن التفاوض عليها وتجاوزها، أم إذا كانت دمشق ستصر عليها وتتمسك بها، ونتيجة لذلك تصل المحادثات إلى طريق مسدود”.

من جانبه، لا يرى الناشط الإنساني، مأمون السيد عيسى، أن هناك “انعطافة في موقف النظام السوري”. وقال لموقع “الحرة” إن ما حصل في الرسالة الأخيرة بمثابة “شروط وضعها بالتنسيق مع الروس في إطار المفاوضات ورفع سقف الطلبات”.

هل قابلة للتحقيق؟

ويعيش في شمال غرب البلاد 4.5 مليون شخص، نزح منهم 2.9 مليون خلال الصراع الذي تسبب في مقتل مئات الآلاف منذ اندلاعه إثر احتجاجات مناهضة للنظام السوري. وتقول الأمم المتحدة إن نحو مليوني شخص يعيشون في مخيمات، وقد تضاعفت معاناتهم بعد كارثة الزلزال.

ولطالما نسقت منظمات غير حكومية ودول بمفردها إرسال قوافل مساعدات من طرف واحد إلى الشمال الغربي، لكن منظمات الأمم المتحدة لا تستطيع اجتياز المعبر دون موافقة الحكومة السورية أو مجلس الأمن.

لكن في المقابل، ترى منظمات حقوق إنسان دولية أن المساعدات إلى شمال غرب سوريا يمكن أن تمر دون إذن من مجلس الأمن أو حتى موافقة النظام السوري، وبشكل قانوني.

ووفقا لتحليل قانوني نشرته منظمة “العفو الدولية”، في مايو الماضي، فإن تسليم المساعدات الإنسانية غير المتحيزة عبر الحدود السورية إلى المدنيين الذين هم في حاجة ماسة إليها دون تصريح من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو موافقة الحكومة السورية أمر قانوني بموجب القانون الدولي، وذلك بسبب عدم توفر بدائل أخرى ونظرا لضرورة عمليات الإغاثة عبر الحدود التي تقوم بها الأمم المتحدة للحد من معاناة السكان المدنيين، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في شمال غرب سوريا.  
 
ويرى الناشط السيد عيسى أن “الشروط التي وضعها النظام السوري غير قابلة للتحقيق”.

وأوضح حديثه بالقول: “الشرط الأول (ألا تتواصل الأمم المتحدة مع الكيانات المصنفة على أنها إرهابية) يتيح له تصنيف المنظمات الإنسانية كذلك، كما فعل مع “الخوذ البيضاء”، وهي مؤسسة مدعومة من الغرب، وتعمل على إسعاف السوريين وإنقاذ الأرواح”.

وتابع: “الشرط الثاني المتعلق بـ(ألا تشرف اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر السوري على توزيع المساعدات الإنسانية في شمال غربي سوريا ويسهّلانه) غير قابل للتحقيق أيضا”.

وأوضح الناشط أن “الهلال الأحمر السوري غير متواجد في شمال وشمال غرب سوريا، ولا يوجد له موظف واحد، بينما الأمم المتحدة لديها منظومة متكاملة لتوزيع المساعدات”.

وبالتالي “إذا تم تسليم توزيع المساعدات للهلال الأحمر السوري سيحتاج أشهرا طويلة ليتمكن من توزيع المساعدات. وهذا إذا سمح له بالتواجد في المنطقة”، وفق ذات المتحدث.

ويعتبر معاوية حرصوني، المدير التنفيذي لمنظمة “الأمين للمساندة الإنسانية” أن “استمرار الحاجة للتصويت على قرار إدخال المساعدات في السنة مرة أو مرتين لتمديده جعل النظام يجد نفسه في موقع القوة”.

وقال لموقع “الحرة” إن “شروطه المفروضة حاليا أشبه بما اتبعه في المناطق المحاصرة سابقا، وعلى رأسها الغوطة الشرقية”.

وأضاف حرصوني: “يسعى لسرقة معظم احتياجات الأهالي، وفي اليوم التالي يمطرهم بالبراميل المتفجرة”.

“مفاوضات من 3 محاور”

ومنذ يوليو 2020، تُقدم الأمم المتحدة المساعدات إلى المنطقة التي مزقها النزاع في شمال غرب سوريا عبر معبر باب الهوى على الحدود مع تركيا. 

وفي أعقاب الزلازل التي ضربت شمال سوريا وجنوب شرق تركيا، في 6 فبراير 2023، استغرق وصول الشحنة الأولى من مساعدات الأمم المتحدة ثلاثة أيام. 

وقد أدى هذا التأخير، إلى جانب عدم قدرة الأمم المتحدة على توسيع نطاق استجابتها للمساعدات بسبب التحديات اللوجستية والسياسية، إلى تفاقم الاحتياجات الإنسانية وإعاقة عمل فرق البحث والإنقاذ، بحسب منظمة العفو الدولية.

ولم يوافق النظام السوري إلا في 13 فبراير على فتح معبرين حدوديين إضافيين مؤقتا من تركيا إلى شمال غرب سوريا لمدة ثلاثة أشهر، ليعود في الوقت الحالي ويفرض شروطا جديدة.

ولطالما رفض النظام السوري عملية إدخال المساعدات عبر الحدود بوصفها انتهاكا لسيادته، وبالتزامن مع رسالته الموجهة إلى مجلس الأمن قال سفيره بسام الصباغ إن “الحكومة اتخذت قرارا سياديا”.

ويُنظر إلى هذا التحرك على أنه يتيح للأسد مصدرا محتملا للنفوذ مع دول الغرب التي تمول المساعدات إلى حد كبير، ويمنحه أداة لممارسة الضغوط على منطقة معارضة تسيطر عليها جماعات مسلحة قاتلت للإطاحة به، وفق رويترز.

بدوره، يوضح الناشط السيد عيسى أن “شروط النظام هي للتفاوض لكن المفاوضات الحقيقية مع الروس في مجلس الأمن تتم على 3 محاور”.

ويرتبط المحور الأول بمدة لتمديد وعدد المعابر، والثاني بزيادة نسبة المساعدات القادمة عبر الخطوط أي عبر الحدود مع مناطق النظام، والثالث يتعلق بـ”زيادة مشاريع التعافي المبكر الذي أقر أول مرة بالقرار 636″ و”يجب أن يعاد الطرح القديم المتعلق بإيصال المساعدات من دون قرار مجلس الأمن أو موافقة الأسد”، حسب الناشط حرصوني.

ويرى أن هذا الأمر “متاحا لكنه يصطدم بعدم رغبة مجلس الأمن أو الدول الفاعلة بذلك”، مضيفا أن “الجانب الإنساني للقضية السورية أضحى مهملا كما الملف السياسي السوري”.

المصدر

أخبار

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *