أعربت واشنطن، الثلاثاء، عن انزعاجها مما وصفته بـ”المضايقات” التي يتعرض لها كاردينال الكلدان في العراق والعالم، لويس ساكو، فيما قال متحدث باسم الكنيسة إنهم يتعرضون إلى “الظلم والتعسف”.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، لـ”الحرة” إن الإدارة منزعجة كذلك من أنباء مغادرة ساكو لبغداد، وقال إن واشنطن “تتطلع لعودته الآمنة”.
تأتي تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأميركية عقب تزايد التوتر بين رئاسة الكنيسة الكلدانية في العراق، ورئاسة الجمهورية التي تتهمها الكنيسة باستهداف المسيحيين.
في الوقت ذاته، يتصاعد توتر داخلي بين المسيحيين أنفسهم، وبالتحديد بين رئاسة الكنيسة وفصيل “بابليون” المسلح، وهو ميليشيا مسيحية تعمل ضمن قوات الحشد الشعبي الموالية لإيران.
وقال ميلر إن واشنطن قلقة إزاء تعرض الكاردينال ساكو “للهجوم من عدد من الجهات على وجه الخصوص من زعيم ميليشيا خاضع لعقوبات بموجب قانون ماغنتسكي”.
ويشير ميلر بهذا إلى ريان الكلداني، وهو زعيم ميليشيا بابليون المسيحية.
من هو ريان الكلداني؟
أسس ريان الكلداني ميليشيا بابليون عام 2014 بهدف معلن هو الدفاع عن القرى والبلدات المسيحية في نينوى ضد تنظيم داعش الذي كان في ذلك الوقت يجتاح المحافظة ومحافظات عراقية أخرى.
ولد الكلداني، بحسب مصادر عراقية، عام 1989، وهو من زعماء الميليشيات الشباب، والوحيد المسيحي الديانة.
لكن مجموعته انخرطت سريعا بخروق لحقوق الإنسان، وفقا لوزارة الخزانة الأميركية.
ويخضع الكلداني إلى عقوبات أميركية ضمن قانون ماغنتسكي منذ 2019 لقيامه بـ”انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان” وفقا لبيان وزارة الخزانة الأميركية.
وبحسب الوزارة، فإن الكلداني قام بـ”قطع إذن معتقل مكبل اليدين”، كما تتهم اللواء 50 في الحشد الشعبي، وفصيل بابليون بضمنه، بأنه العائق الرئيسي أمام عودة المشردين داخليا إلى سهل نينوى.
وتضيف أن اللواء 50 قام بنهب المنازل بشكل منهجي في باطنايا، التي تكافح من أجل التعافي من حكم داعش الوحشي. واستولى على أراض زراعية وباعها بشكل غير قانوني، واتهم السكان المحليون الجماعة بتخويف النساء وابتزازهن ومضايقتهن.
كما أنه كان مقربا من أبو مهدي المهندس، رئيس الحشد الشعبي العراقي الذي قتل بضربة أميركية قبل أعوام، ويحتفظ بعلاقات جيدة مع قادة الحشد الآخرين من الشيعة.
ولبابليون خمس نواب هم كل الكوتا المسيحية في البرلمان العراقي.
الخلاف مع الكنيسة
وأثار ريان الجدل بتصريحاته بصورة مستمرة، حيث تبرأت الكنيسة الكلدانية في العراق عدة مرات من “التصريحات الطائفية” التي أطلقها ريان.
وقال القس بسمان جورج، مستشار رئيس الكنيسة الكلدانية، الكاردينال لويس ساكو “بين الكنيسة وميليشيا بابليون اختلاف كبير”.
وأضاف لموقع “الحرة” أولا لا يرضى الكاردينال أن يكون لنا فصيل عسكري خاص بالمسيحيين، وهو يدعو المسيحيين إلى الانخراط في قوى الدولة الرسمية، فالعراق وطن الجميع والأجهزة الأمنية متاحة للجميع”.
ويتهم جورج ميليشيا بابليون بأنها “تسعى إلى الاستحواذ على كل ما يمثل المسيحيين، وزارة، كوتا مسروقة، أطماع للسيطرة على ديوان الوقف المسيحي والديانات الأخرى”.
ويؤكد “هم من ألد اعداء المسيحيين بتعدياتهم واغتصابهم لحقوق المسيحيين”، كما يتهم بابليون بأنها “تتدخل في شؤون الكنيسة، وتتهم باطلا الكنيسة بالتدخل في العمل السياسي”.
ويبدو العداء بين رأس الكنيسة وزعيم بابليون كبيرا، حيث يقول القس بسمان إن “زعيم هذه الميليشيا اتهم الكاردينال عدة تهم ولفق عليه الأكاذيب كما وقام بإهانته”.
وتعتقد الكنيسة، بحسب بسمان، إن “رئاسة الجمهورية راضية وعلى اتفاق مع زعيم الميليشيا بالتعدي على الكاردينال لويس ساكو”.
واتصل موقع الحرة بالنائب عن بابليون، دريد جميل إيشوع، للرد على هذه الاتهامات، لكنه طلب مهلة للاتصال بقيادة الحركة والإدلاء بتصريح.
لكن عضو مجلس النواب السابق، ونائب رئيس حزب اتحاد بيث نهرين الوطني، جوزيف صليوا، يقول إن هناك الكثير من اللوم يقع على الكاردينال ساكو.
وفيما يقول صليوا لموقع “الحرة” إن “الأطراف الثلاثة، رئاسة الجمهورية ورئاسة الكنيسة ورئاسة حركة بابليون” لم تتصرف كلها بالشكل الصحيح، يضيف أن “الكنيسة تخطت صلاحياتها الروحية وبدأت تتدخل في السياسة”.
ويتهم صليوا الكنيسة الكلدانية بالسعي للسيطرة على حصص المسيحيين في الدولة العراقية، كما إنه يقول إن للكاردينال ساكو دورا بإفشال مقابلة مخطط لها للرئيس العراقي، عبد اللطيف رشيد، مع البابا في روما.
وفي 12 يونيو الماضي، زار الرئيس العراقي روما والفاتيكان، لكنه لم يلتق البابا.
ويعتقد صليوا إن هذا الحدث أجج الخلاف بين الكنيسة ورئاسة الجمهورية، وتراجعت رئاسة الجمهورية عن مرسوم رئاسي معتمد منذ سنوات، يمنح ساكو اعترافا رئاسيا بكونه رأس الكنيسة في العراق، وهو ما دفع الكنيسة لشن هجوم على الرئاسة ومقارنتها بداعش.
وقال القس بسمان لموقع “الحرة” إن “قرار الرئاسة التعسفي غير الدستوري يساهم كما ساهمت داعش في تهجير المسيحيين من العراق”.
ونفت الرئاسة العراقية استهداف الكنيسة الكلدانية، وقال بيان رئاسي إن الإجراء جاء لتعديل “وضع غير دستوري”.
وأيد ريان الكلداني قرار الرئاسة العراقية.
بعد مئات السنين من الذمية وبحثا عن الحماية من السلاطين والمتسلطين. pic.twitter.com/fUkwIuUJEY
— ريان الكلداني Ryan Chaldean (@RyanAlchaldean) July 11, 2023
ويقول صليوا إن “سحب المرسوم يمكن أن يؤثر عاطفيا، لكنه ليس سببا بهجرة المسيحيين، الذين يعانون من مشاكل أمنية واقتصادية حقيقية تدفعهم إلى الهجرة من العراق”.
وتأمل الإدارة الأميركية في العراق، بحسب المتحدث باسم الخارجية ماثيو ميلر، أن “تتراجع الرئاسة العراقية عن قرارها”، مضيفا “لقد انخرطنا معهم، ونحن على اتصال مستمر مع القادة العراقيين بهذا الشأن الذي يعد ضربة للحرية الدينية ولهذا نحن قلقون للغاية وانخرطنا مباشرة مع الحكومة العراقية لتوضيح مخاوفنا”.
وتناقصت أعداد المسيحيين العراقيين من حوالي 3 ملايين منتشرين في أغلب أنحاء البلاد قبل 2003، إلى نحو 400 – 600 ألفا يعيش معظمهم في سهل نينوى وإقليم كردستان شمال العراق.
وتعرض المسيحيون، مثل باقي أقليات سهل نينوى، إلى هجمة شرسة من داعش، حيث قتل العديد منهم وتسبب بهجرة جماعية لعشرات الآلاف منهم، فيما يعيش البقية، خارج كردستان، في ظل أوضاع غير مستقرة إلى حد كبير.
لا تعليق