بسجادة حمراء، واستقبال فاقت حفاوته الترحيب بالرؤساء، التقى الرئيس الصيني، شي جين بينغ، الخميس بالدبلوماسي المخضرم، وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر.
الرئيس الصيني بينغ وصف كيسنجر الذي يبلغ من العمر (100 عام) بـ”الصديق القديم” مظهرا ترحيبا وصل صداه للبيت الأبيض في العاصمة واشنطن، خاصة أن الحفاوة التي حظي بها “أكبر مما يحظى به المسؤولين الأميركيين” الموجودين على رأس عملهم، وفقا لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز.
وتضمنت لقاءات كيسنجر مع المسؤولين الصينين مقابلة وزير الدفاع لي شانغ فو.
وما زال وزير الدفاع الصيني الذي عين في مارس يخضع لعقوبات أميركية بسبب دوره في شراء أسلحة عام 2017 من شركة روس أوبورون إكسبورت، أكبر مصدر للأسلحة في روسيا. ودأب مسؤولون صينيون على المطالبة بإسقاط هذه العقوبات التي فرضت في 2018، حتى يتيسر إجراء المناقشات بين البلدين.
ويشير التقرير إلى أن الحفاوة التي استقبل بها كيسنجر تظهر أن “بكين أصبحت أكثر انسجاما مع مواقفها وأكثر تشككا تجاه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن”.
واضطلع كيسنجر بدور محوري في تطبيع العلاقات بين واشنطن وبكين في سبعينيات القرن الماضي حين كان وزيرا للخارجية ومستشارا للأمن القومي في إدارتي الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، بحسب تقرير لوكالة رويترز.
ورغم تحركات الصين وتأكيدها على التعاون إلا أنها تراقب عن كثب “توحد الجمهوريين والديمقراطيين تجاه العلاقات معها” خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، ناهيك عن مقاومة بكين لجهود واشنطن في احتوائها “جيوسياسيا وعسكريا وتقنيا”، بحسب الصحيفة.
دينس وايلدر، مسؤول سابق في وكالة الاستخبارات المركزية قال إن “هذا يشبه إلى حد كبير استراتيجية صينية متعمدة” في محاباة الأفراد الذين قد يساعدون في تغيير الآراء في واشنطن.
وأضاف لنيويورك تايمز أن الصينيين يسعون لتنشيط “أولئك الذين لديهم مصالح راسخة في الاقتصاد الصيني والعلاقات العامة”، في إشارة إلى لقاءات الرئيس الصيني مع بيل غيتس وإيلون ماسك خلال الفترة الماضية.
وقال الرئيس الصيني لكيسنجر، الخميس، بحسب ما أوردت وسائل الإعلام الرسمية إن “الشعب الصيني يثمن الصداقة ولن ننسى أبدا صديقنا القديم ومساهمتك التاريخية في تشجيع تطور العلاقات بين الصين والولايات المتحدة وتشجيع الصداقة بين الشعبين الصيني والأميركي”.
وأضاف “هذا الأمر لم يفد فقط البلدين، إنما غير العالم أيضا”.
وتابع الرئيس الصيني “يشهد العالم حاليا تغيرات لم نشهدها منذ قرن، والنظام الدولي يمر بتغير هائل”.
وقال شي أيضا إن “الصين والولايات المتحدة على مفترق طرق مرة أخرى ويجب على الطرفين مرة جديدة القيام بخيار”.
وردا على ذلك، شكر كيسنجر شي على استضافته في المبنى رقم خمسة في دار ضيافة الدولة دياويوتاي، حيث التقى في 1971 برئيس الوزراء آنذاك تشو إنلاي.
وقال الدبلوماسي السابق إن “العلاقات بين بلدينا ستكون محورية بالنسبة للسلام في العالم ولتقدّم مجتمعاتنا”.
من جانبه، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، الخميس “من المؤسف أن يتمكن مواطن عادي من لقاء وزير الدفاع وإجراء اتصال ولا تستطيع الولايات المتحدة ذلك”.
وأضاف “هذا شيء نريد حله. هذا هو السبب في أننا نواصل محاولة إعادة فتح خطوط الاتصال العسكرية لأنها حين لا تكون مفتوحة ونمر بوقت مثل هذا تكون فيه التوترات عالية وسوء التقديرات عالية أيضا، ترتفع عندها المخاطر”.
وقال كيربي إن مسؤولي الإدارة “يتطلعون إلى الانصات إلى الوزير كيسنجر حين عودته، لسماع ما سمعه، وما علمه، وما رآه”.
تشو فنغ، أستاذ العلاقات الدولية جامعة نانجينغ قال للصحيفة إن زيارة كيسنجر تكشف “قلق بكيف بشأن كيفية التأثير وإقناع نخب السياسة الأميركية”.
وسافر كيسنجر سرا إلى بكين في يوليو 1971 للتحضير لإقامة العلاقات بين البلدين وتمهيد الطريق لزيارة الرئيس نيكسون التاريخية للعاصمة الصينية في 1972.
وأدى انفتاح واشنطن على بكين، التي كانت معزولة آنذاك، إلى ازدهار الصين التي تعد الآن ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة.
ومنذ مغادرته مهامه، قدّم كيسنجر، الحائز على جائزة نوبل للسلام، خدمات استشارية للأعمال في الصين وحذر من أي تحول في السياسة الأميركية.
وقال التلفزيون الصيني الرسمي “سي سي تي في” الخميس إنه “منذ العام 1971 زار الدكتور كيسنجر الصين أكثر من مئة مرة”.
ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة “شينخوا” عن كيسنجر قوله لوزير الدفاع إنه “في عالم اليوم، تتعايش التحديات والفرص ويجب على كل من الولايات المتحدة والصين تبديد سوء التفاهم والتعايش سلميا وتجنب المواجهة”.
وتصاعد التوتر بين أكبر اقتصادين في العالم بسبب مجموعة من القضايا، تضمنت الحرب في أوكرانيا وقضية تايوان، والقيود التجارية.
وحاولت واشنطن إعادة إنشاء قنوات اتصال لمعالجة هذه القضايا وغيرها من خلال زيارات دبلوماسية رفيعة المستوى في الآونة الأخيرة.
واختتم المبعوث الرئاسي الأميركي، جون كيري محادثات مطولة مع بكين فيما يتعلق بجهود التصدي لتغير المناخ، الأربعاء. كما زار وزير الخارجية الأميركي الحالي أنتوني بلينكن بكين الشهر الماضي.
وقال الرئيس جو بايدن الشهر الماضي إنه يريد مقابلة نظيره شي في الأشهر المقبلة، إذ يأمل المسؤولون في إجراء محادثات وجها لوجه في أقرب وقت، قد يكون مع انعقاد قمة مجموعة العشرين في سبتمبر في نيودلهي، أو مع اجتماع منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي المقرر في نوفمبر في سان فرانسيسكو.
وتضع الولايات المتحدة منطقة آسيا والمحيط الهادي في قلب استراتيجيتها العالمية في الوقت الذي تسعى فيه للتصدي لنفوذ الصين، بحسب وكالة فرانس برس.
في المقابل تعتبر الصين الوجود الأميركي القوي والقواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة، غير مبرر.
ولطالما تم تكريم كيسنجر من قبل النخبة الأميركية، وحصل على جائزة نوبل للسلام لتفاوضه على وقف إطلاق النار في فيتنام.
لكن ينظر إليه كثيرون على أنه “مجرم حرب غير مدان” لدوره في أحداث عديدة من بينها توسيع حرب فيتنام إلى كمبوديا ولاوس ودعم انقلابات في تشيلي والأرجنتين، وغض الطرف عن الفظائع الجماعية التي ارتكبتها باكستان خلال حرب استقلال بنغلادش في 1971، بحسب تقرير لوكالة فرانس برس.
100 زيارة لصاحب المائة عام.. لماذا تحتفي الصين لهذه الدرجة بكسينجر؟
لا تعليق