لم يكشف الاتحاد الأوروبي عن تفاصيل شراكته الإستراتيجية الجديدة مع تونس، والتي يرى محللون أن هدفها الرئيسي الحد من تدفق المهاجرين غير النظاميين القادمين عبر البحر.
وكان الطرفان وقعا في قصر قرطاج، الأحد، مذكرة تفاهم لإرساء “شراكة استراتيجية وشاملة” تركز على مجالات التنمية والطاقة المتجددة ومكافحة الهجرة غير النظامية، وتهدف أيضا إلى مساعدة البلد الأفريقي في مواجهة أزمته الاقتصادية.
وتأتي هذه الشراكة في وقت تتخذ فيه عدة بلدان أوروبية مواقف متشددة تجاه الهجرة غير النظامية التي تزايدت خلال السنوات الماضية.
ويرى الناشط السياسي والحقوقي التونسي، مجدي الكرباعي، أن إيقاف تدفق المهاجرين غير النظاميين من تونس نحو الاتحاد الأوروبي يمثل “جوهر” هذه الشراكة.
في حديثه مع موقع “الحرة”، قال الكرباعي، وهو مختص بقضايا الهجرة واللجوء، إن “مذكرة التفاهم فيها 5 نقاط عريضة، لكن المسألة الجوهرية بالنسبة للاتحاد الأوروبي هي كيفية الحد من الهجرة غير النظامية”.
وتعتبر تونس نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين غير النظاميين نحو السواحل الإيطالية، لا سيما من صفاقس، ثاني أكبر مدن البلاد.
وجددت تونس تأكيدها على أنها لن تكون “مركز استقبال” للمهاجرين الأفارقة المرحلين من إيطاليا أو أي بلد أوروبي آخر، على الرغم من توقيعها على اتفاقية “رائدة” بقيمة مليار يورو مع الاتحاد الأوروبي، حسب صحيفة “الغارديان”.
“دولة عاجزة”
وشهد توقيع الاتفاقية رئيس المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، ورئيسا الوزراء الهولندي، مارك روته، والإيطالية جورجيا ميلوني، علما أن هذه الزيارة هي الثانية لهم إلى تونس.
وكان المسؤولون الثلاثة أجروا زيارة أولى قبل شهر اقترحوا خلالها هذه الشراكة التي توفر دعما ماليا لبلد يعيش أزمة اقتصادية صعبة.
والنقاط الرئيسية الخمس في هذه الشراكة هي “استقرار الاقتصاد الكلي، التجارة والاستثمارات، الانتقال نحو الطاقة الخضراء، التقريب بين الشعوب، والهجرة”، حسبما ذكرت المفوضية الأوروبية في بيان.
وقالت ميلوني إن الاتفاق “خطوة جديدة مهمة للتعامل مع أزمة الهجرة بطريقة متكاملة”، ودعت الرئيس التونسي، قيس سعيد، للمشاركة في مؤتمر دولي حول الهجرة تستضيفه روما، الأحد المقبل. بدوره، اعتبر رئيس الوزراء الهولندي أن الشراكة ستتيح “التحكم بشكل أفضل في الهجرة غير النظامية”.
ووفقا لآخر الأرقام الصادرة عن وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وصل 51,215 مهاجرا على نحو غير قانوني عن طريق البحر إلى إيطاليا حتى يونيو هذا العام، بزيادة أكثر من 150 بالمئة عن العام الماضي، نصفهم تقريبا من تونس والباقون من ليبيا.
ولكن محللين شككوا في نجاح هذه الشراكة في إيقاف تدفق المهاجرين غير النظاميين من تونس باتجاه الأراضي الأوروبية.
واستبعد أستاذ العلوم السياسية بجامعة باريس، جان بيار ميلالي، أن تسهم الشراكة بين بروكسل وتونس في الحد من تدفق هؤلاء المهاجرين.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، أرجع ميلالي ذلك إلى “حالة الضعف” التي تعيشها الدولة التونسية مما يجعلها عاجزة عن السيطرة على المهاجرين.
وأضاف: “لا يمكن (لتونس) أن تفعل شئيا؛ لأن الدولة عاجزة عن تقديم حلول حتى لمشاكلها الاقتصادية التي هي أساس المشكلة”.
ويلمح ميلالي إلى أن تونس تتطلع للدعم المادي الأوروبي لإنقاذ اقتصادها الغارق، لكنه يرى أن هذا الشريان سيوفر “قليلا من المال لتتنفس (البلاد) لفترة قبل أن تعود المشكلة للواجهة”، على حد تعبيره.
ويشمل الاتفاق بين بروكسل وتونس مساعدة بقيمة 105 ملايين يورو (117 مليون دولار) لمحاربة الهجرة غير النظامية.
ووعد الاتحاد الأوروبي أيضا بتقديم مساعدات مباشرة للموازنة بقيمة 150 مليون يورو (168 مليون دولار) في عام 2023، في وقت تعاني تونس نقصا في السيولة يتسبب في نقص منتظم في الضروريات الأساسية التي تشتريها الدولة مباشرة.
وكان المسؤولون الأوروبيون الثلاثة تحدثوا خلال زيارتهم الأولى عن أن التكتل سيقرض تونس ما يصل إلى 900 مليون يورو (مليار دولار) لمساعدة المالية الكلية للبلاد في السنوات المقبلة.
وفي هذا الإطار، قال الكرباعي إن “تونس تريد أن تأخذ حزمة الأموال من أجل إنقاذ نفسها اقتصاديا” دون أن تكترث للتعامل اللاإنساني مع اللاجئين، على حد وصفه.
وأضاف: “اعتدنا من السلطات وبعض المجتمع التونسي التعامل اللاإنساني مع المهاجرين حيث قاموا بالاعتداء على الأفارقة في الصحراء غير مبالين بالانتماء والقيم الإسلامية”.
“التصدي للمهاجرين”
وكان الرئيس التونسي واجه انتقادات شديدة بسبب الطريقة التي تم بها توقيف مئات المهاجرين في تونس، ثم “ترحيلهم”، وفقا لمنظمات غير حكومية، إلى مناطق على الحدود مع الجزائر وليبيا.
وبحسب شهادات حصلت عليها وكالة فرانس برس عبر الهاتف ومقاطع فيديو تم إرسالها إلى منظمات غير حكومية في تونس، كان هناك نساء وأطفال جرى التخلي عنهم وسط الصحراء دون ماء أو طعام أو مأوى.
وأعلنت السلطات الليبية، الأحد، أنها أنقذت في منطقة صحراوية قرب الحدود مع تونس، مهاجرين من جنوب الصحراء نقلتهم السلطات التونسية إلى هذا المكان النائي، وفقا لفرانس برس.
وأدى ذلك إلى تعرض الشراكة الأوروبية التونسية لانتقادات شديدة من طرف المنظمات غير الحكومية، لا سيما في ظل انتشار خطاب مناهض للمهاجرين في البلاد.
يعتقد الكرباعي أن الاتحاد الأوروبي “يستغل ضعف تونس السياسي” من خلال هذه الشراكة لتشمل أيضا “الترحيل القسري للمهاجرين التونسيين”.
ولا تضمن الاتفاقية نصا صريحا يشير إلى أن تونس ستكون من ضمن قائمة الدول التي تسعى بعض الدول الأوروبية لترحيل المهاجرين إليها.
وأرادت إيطاليا واليونان والنمسا إعادة المهاجرين الذين يُعتبر طلب لجوؤهم غير مقبول إلى بلدان ثالثة تعتبرها “آمنة”، مثل تونس أو ألبانيا، حتى في حال عدم وجود روابط خاصة (أسرية أو علاقة عمل … إلخ) بين المهاجر وهذا البلد، بحسب فرانس برس.
وعارضت هذه الفكرة ألمانيا وكذلك فرنسا. وينص الحل الوسط الذي تم التوصل إليه على أن يُترك الأمر لكل دولة عضو لتقييم ما إذا كان مجرد العبور عبر بلد ما يشكل رابطا كافيا لإعادة المهاجر إليه. وفشلت الدول الأعضاء حتى الآن في الاتفاق على قائمة مشتركة للبلدان الثالثة “الآمنة”.
وقال الكرباعي إن الشراكة لم تكشف عن تفاصيل، لكنه استبعد أن تكون تونس دولة ثالثة لإعادة توطين المهاجرين غير النظاميين في أوروبا ممن لا يحملون الجنسية التونسية.
وتابع: “يبدو أن تونس دورها أن تتصدى للمهاجرين غير النظاميين وترحلهم قبل أن يمروا للضفة الأخرى … هكذا تظهر العملية أن تونس من قامت بترحليهم وليست أوروبا”.
لا تعليق