فشل مجلس النواب اللبناني، على امتداد العام الماضي، في 12 محاولة لانتخاب رئيس للبلاد التي تصارع حكم “الفراغ” وتداعياته، في ظل حكومة تصريف أعمال محدودة الصلاحيات ومطعون في شرعية قراراتها وإجراءاتها التنفيذية من جهة، ومجلس نيابي عاجز عن التشريع في ظل غياب رئيس للبلاد، وفق ما ينص عليه القانون، من جهة أخرى.
إلا أن ثمانية أشهر من الشغور الرئاسي كانت كفيلة بامتداد الفراغ على مواقع ومناصب رئيسية في البلاد، خاصة وأن القانون اللبناني لا يضع التعيينات الإدارية ضمن صلاحيات حكومة تصريف الأعمال.
وتعترض الأحزاب المسيحية في البلاد على أي تعيينات قد تحصل تحت بند “الضرورة” في ظل غياب رئيس الجمهورية، وهو المنصب المسيحي الأول في البلاد، على اعتبار أن هذه التعيينات تتم بالتنسيق مع رئاسة الجمهورية بالعادة وهي من بين صلاحياته، ومن شأن الخروج عن ذلك أن يمثل استئثارا في الحكم من ناحية الحكومة التي يترأسها المسلمون السنة وفق أعراف الحكم في لبنان.
وهذا الواقع السياسي فرض قلقا عاما في لبنان من احتمالية إفراغ مؤسسات الدولة وأجهزتها من موظفيها، ولاسيما موظفي الفئة الأولى، أي المسؤولين الأمنيين والمدراء العامين فضلا عن حاكمية مصرف لبنان والقيادة العسكرية والأجهزة القضائية، مع ما قد يحمله ذلك من تداعيات سياسية واقتصادية وأمنية.
هروب من المسؤولية
وبنهاية هذا الشهر، سيحمل لبنان فراغا جديدا في موقع مسيحي آخر. فبتاريخ 31 يوليو، تنتهي ولاية حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، دون وجود أي نية للتمديد له على غرار العقود الثلاث الماضية التي حظي خلالها بتوافق سياسي حوله، لاسيما بعدما بات ملاحقا دوليا من جانب الإنتربول إثر أحكام صادرة بحقه في دول أوروبية عدة من بينها فرنسا، بتهمة الفساد واختلاس أموال عامة وتبييض أموال، وفي ظل ملاحقة قضائية له في لبنان بالتهم ذاتها، إضافة إلى وجود مزاج شعبي ناقم عليه يحمله مسؤولية رئيسية في الانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد، منذ عام 2019.
ورغم حماسة بعض الأطراف السياسية لفكرة التجديد لسلامة، كان واضحا عدم اتجاه رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، نحو هذا الخيار، وذلك في بيان صادر عن مكتبه عبر فيه بوضوح عن ذلك، وقد أعلن كذلك عن عدم نيته إجراء تعيين لحاكم جديد في ظل الفراغ الرئاسي، الأمر الذي يفرض وفق القانون تسلم النائب الأول لحاكم مصرف لبنان مهمات الحاكم حتى تعيين حاكم جديد.
إلا أن نواب حاكم مصرف لبنان أصدروا بيانا مقلقا دعوا فيه لتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، وذلك تداركا للأزمات التي قد تحل بمصرف لبنان في حال عدم تعيين حاكم جديد له، مهددين باتخاذ إجراءات قد تصل للاستقالة، وفق رويترز، في حال لم يعين حاكم أصيل للمصرف المركزي.
تهديد اعتبره البعض مناورة سياسية من أجل تبرير تعيين لحاكم مصرف لبنان من قبل الحكومة الحالية، فيما اعتبره البعض الآخر تهربا لنواب حاكم المصرف من المسؤولية التي يضعها القانون على عاتقهم، ما قد يعرضهم للمساءلة والمحاسبة في حال ترك مصرف لبنان للفراغ في حاكميته.
وفي هذا السياق، يرى رئيس مؤسسة “جوستيسيا”، المحامي بول مرقص، أن الكتاب الصادر عن نواب حاكم مصرف لبنان هو إجراء استباقي، “يكسبهم خطوط دفاع استباقية استدراكا لأي مسؤوليات ستقع عليهم مع امتداد الشغور الرئاسي وتصريف الأعمال، والاستنكاف عن تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي وفق ما يبدو”.
أما من ناحية “اتخاذ الإجراءات المناسبة” وفق البيان، فيرى مرقص أنه ليس بالضرورة أن يعني ذلك الاستقالة حتميا، دون أن يستبعد حصول استقالات فردية أو جماعية، مضيفا أن ذلك لن يكون بالأمر السهل “بسبب المسؤولية الملقاة على عاتقهم في هذا الظرف الحرج والاستثنائي ماليا ونقديا، فيصبح البقاء في المنصب مكلف وكذلك هي الاستقالة مسؤولية كبيرة”.
ويشرح مرقص أن مفهوم تصريف الأعمال يقتصر فقط على “القرارات الضرورية واللازمة بالحد الأدنى لاستمرار المرافق العامة”، مميزا الأعمال التصرفية التي لا يعود للحكومة القيام بها، والأعمال المتعلقة بتسيير المرفق العام، المشمولة بتصريف الأعمال”.
وفق هذه التصنيفات، لا تقع التعيينات الإدارية ضمن صلاحيات تصريف الأعمال خصوصا متى يأتي الأمر لحاكم مصرف لبنان، وفق مرقص، فعلى الرغم من أن تعيينه يأتي باقتراح من وزير المال وفق المادة 18 من قانون النقد والتسليف، إلا أن رئيس الجمهورية وفق العرف يقوم بتزكية تعيينه في مجلس الوزراء بأكثرية الثلثين باعتبار أنه من وظائف الفئة الأولى التي تتطلب هذه الأكثرية.
إلا أن الظروف الاستثنائية والحادة التي يمر بها لبنان على الصعيدين الاقتصادي والمالي، والتي تنبئ بانهيار شامل وسريع أكثر مما هو حاصل راهنا، وتهدد المرفق العام النقدي والمصرفي بضرر كبير، قد تعتبر “ضرورة ملحة” وفق مرقص، “ويمكن الاستناد إليها لتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان قياسا على تجارب سابقة حصلت مع حكومة ميقاتي عام 2013 حيث جرى تعيين هيئة الإشراف على الانتخابات، وقبلها حكومة الرئيس الحص في التسعينات”.
وفي هذه الحالة، يبقى حلفان اليمين في حال تعيين حاكم تحت ضغط الضرورات النقدية والاقتصادية، وهو يمكن أن يؤجل، بحسب مرقص، إلى حين وصول شخصية إلى سدة الرئاسة “أسوة بما حصل سابقا مع رئيس لجنة الرقابة سمير حمود وآخرين”.
ويعبر المحامي اللبناني عن خشية من تحريك الوضع النقدي سواء بسبب التدهور أو لافتعال انهيارات نقدية يتحتم معها تعيين حاكم جديد وذلك على نحو استثنائي وضيق من حكومة تصريف الأعمال، “بحيث يتسع مفهوم تصريف الأعمال مع إطالة فترة الشغور الرئاسي”.
ولا تقتصر الأمور على حاكمية مصرف لبنان، قبلها وصل الفراغ إلى رئاسة جهاز الأمن العام اللبناني بعد بلوغ رئيسه، اللواء عباس إبراهيم، سن التقاعد، حيث حل مكانه، العميد إلياس البيسري، قائما بأعمال رئاسة الجهاز، كونه الأعلى رتبة، إلى حين تعيين بديل لإبراهيم، بعدما فشلت محاولات حكومية ونيابية للتمديد له.
صراع صلاحيات
وبرز مؤخرا تطور لافت على الساحة اللبنانية، تمثل في صراع صلاحيات واضح بين المدير العام لقوى الأمن الداخلي، اللواء عماد عثمان، ووزير الداخلية، بسام المولوي، على أثر قرارات اتخذها الأول دون تنسيق مع وزير الداخلية، ألحق بموجبها “شعبة المعلومات” بمديرية “قوى الأمن الداخلي”، أي بشخصه، كما أجرى تعيينات بالتكليف شملت رئاسة الأركان.
ويرتبط هذا الصراع بشكل مباشر بالفراغ الحاصل في لبنان، لاسيما في موقع رئاسة الجمهورية. فمع غياب التعيينات الحكومية وقرب انتهاء ولاية المدير العام لقوى الأمن الداخلي مطلع العام 2024، يدور البحث حول الشخصية التي ستحل مكان الأخير بالإنابة إلى حين تعيين خلف له، وبحسب القانون يحل رئيس الأركان في هذا الموقع في حال الشغور.
وهذا ما يفسر القرارات المتخذة من ناحية عثمان، فمن جهة كلف العميد جهاد أبو مراد برئاسة الأركان خلفا للعميد نعيم شمّاس، المُحال إلى التقاعد منذ أشهر، ومن جهة أخرى أبعد رئيس شعبة المعلومات، العميد خالد حمود، الأعلى رتبة من أبو مراد، عن تبعيته لوحدة هيئة الأركان، ما يترجم تقليلا لحظوظه في تولي رئاسة الأركان ومن بعدها المديرية العامة للأمن الداخلي.
وهذه الإجراءات قوبلت بتدخل حاسم من ناحية وزير الداخلية، الذي أصدر قرارا ألغى بموجبه البرقية الصادرة عن عثمان بربط شعبة المعلومات بالمديرية العامة لقوى الأمن، والتي كان قد بررها عثمان “بضرورات الخدمة” والظروف “الاستثنائية”.
ووجه مولوي كتابا إلى عثمان للتراجع عن مخالفته القانونية للتنظيم الداخلي لقوى الأمن، وطلب منه الرجوع فورا عن قراره، والعودة فورا عن التدابير المتخذة وإعادة وصل المعلومات بهيئة الأركان.
وأشار مولوي في مقابلة ضمن برنامج “المشهد اللبناني” على قناة “الحرة”، إلى أن “هذا الموضوع لا علاقة له بشخص معين، إنما هو موضوع قانوني”، وقال: “إن قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي يؤكد خضوع المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ومديرها العام لسلطة وزير الداخلية وفق المادة 2 و10”.
وأكد أن “تعديل التنظيم العضوي لقوى الأمن الداخلي كي يتم بحاجة إلى مرسوم بعد موافقة مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الداخلية، وبعد استطلاع رأي مجلس القيادة واستشارة مجلس شورى الدولة”، وقال: “هذه الشروط الخمسة يجب أن تتأمن لتعديل التنظيم العضوي داخل المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي”.
تجدر الإشارة إلى أن المدير العام لقوى الأمن الداخلي نفذ بالأمس برقية وزير الداخلية بسام مولوي، حيث أعاد ربط شعبة المعلومات برئاسة الأركان، فيما لم يتضح بعد مصير رئاسة الأركان وخلافة عثمان.
الجيش.. إلى الفراغ أيضا؟
ويتكرر السيناريو ذاته في المؤسسة العسكرية، حيث يستعر الخلاف ما بين قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون، ووزير الدفاع اللبناني موريس سليم، على خلفية تعيينات في المجلس العسكري ورئاسة الأركان في الجيش، ومن خلفها موقع قيادة الجيش الذي سيكون شاغرا في يناير 2024.
خلفية هذا الخلاف سياسية بحتة، فلطالما كان موقع قائد الجيش مرشحا طبيعيا لرئاسة الجمهورية في لبنان، وهو أمر حاصل اليوم لناحية شخص جوزيف عون، ما فتح النار عليه من ناحية التيار الوطني الحر، ورئيسه جبران باسيل، المعترض على الاقتراح، بالإضافة إلى خلافات شخصية سابقة ما بين قائد الجيش ووزير الدفاع حول الصلاحيات والمساعدات الدولية للجيش وآلية تسلمها وتحويلها.
وعلى الرغم من أن التاريخ لا يزال بعيدا لخروج قائد الجيش من موقعه إلا أن إدراك القوى السياسية للأزمة القائمة والتي قد يستحيل معها انتخاب رئيس جديد للبلاد قريبا، يعين قائدا للجيش، دفع منذ الآن باتجاه فتح النقاش على سيناريو الفراغ في قيادة الجيش اللبناني مع ما يعنيه ذلك من تحديات سياسية وأمنية تصل إلى تهديد وحدة البلاد، التي يمثل الجيش ضمانتها الوحيدة المتبقية اليوم، وفق تعبير مختلف القوى السياسية.
وفي هذا السياق، اعتبر رئيس التيار الوطني الحر، النائب جبران باسيل، أن “أي محاولة للتعيين بخلاف الدستور تتخطى وزير الدفاع سنعتبرها انقلابا عسكريا حقيقيا لن نسكت عنه”، مشيرا إلى أن “الحلول موجودة أمام الحكومة من خلال الالتزام بالدستور والمشكلة في وضع اليد على صلاحيات رئاسة الجمهورية”.
وتكمن المشكلة في مقاطعة وزير الدفاع، المحسوب على حصة التيار الوطني الحر الوزارية، لجلسات مجلس الوزراء، انسجاما مع موقف تياره السياسي والأحزاب المسيحية، الرافض لعقد جلسات لحكومة تصريف الأعمال في ظل الشغور الرئاسي، وبالتالي عدم اقتراحه أسماء لتعيينات جديدة في رئاسة الأركان والمجلس العسكري المركزي، وفق الآلية القانونية المعتمدة لهذه التعيينات، لتعويض الشغور في المجلس العسكري الناجم عن تقاعد عدد من أعضائه (3 من أصل 6).
وفي حال الشغور في موقع قيادة الجيش أو مرض أو سفر قائد الجيش، ينص قانون الدفاع الوطني (المادة 21) على تسلم رئيس الأركان مهمات قائد الجيش، إلا أن رئيس الأركان قد أحيل إلى التقاعد مؤخرا (منذ نحو 6 أشهر) دون إمكانية تعيين بديل له، وهو ما يسعى إليه قائد الجيش اليوم بشكل استثنائي، فيما يطرح التيار الوطني الحر تكرار تجربة جهاز الأمن العام في تولي الضابط الأعلى رتبة لمهام قيادة الجيش، بحسب ما يؤكد الناشط السياسي في التيار ناجي الحايك في حديث لموقع “الحرة”.
وفي هذا السياق، يرى مرقص أنه وفي ظروف استثنائية كالتي يعيشها لبنان، “وتجنبا للذهاب إلى المادة 39 التي تنص على أن تكون الأمرة للضابط الأرفع رتبة، ويدور حولها خلاف سياسي كبير، قد يتجه مجلس الوزراء إلى تعيين رئيس للأركان، ويكون ذلك بناء على اقتراح من وزير الدفاع، “وهذا ما لا يحصل اليوم”.
أما العقبة الثانية، بحسب مرقص، فهي الاعتراضات الدستورية على إجراء حكومة تصريف الأعمال للتعينات في ظل غياب رئيس للجمهورية. وعليه يسأل مرقص “هل الأخطار المحدقة بالجيش وإمرته وقيادته ستعتبر ضرورة لإجراء التعيينات؟”
تداعيات “طبيعية” للفراغ
من جهته، يرى الصحفي والمحلل السياسي، غسان ريفي، أن الخلافات القائمة بين الوزراء والقادة الأمنيين “ليست مسألة جديدة”، خاصة وأن الصلاحيات تتضارب في بعض الأماكن، “فلا يستطيع لا الوزير ولا المسؤول الأمني أن يفصل بين هذه الصلاحيات، في حين أنه ما من مرجعية في البلاد ترفع إليها المشاكل أو الخلافات”.
ويضيف أن المشكلة الرئيسية تكمن في الفراغ الرئاسي الذي من شأنه أن يحول أي مشكلة عادية تحصل في البلاد إلى أزمة سياسية وقانونية، “خصوصاً في ظل النكد السياسي وحالة الانقسام الحاد، والتحلل الحاصل في المؤسسات والذي يزداد كلما امتد الشغور الرئاسي.”
ويشرح ريفي في حديثه لموقع “الحرة” أن المشرع اللبناني وعند وضع بنود الدستور، وتحديد مهام حكومة تصريف الأعمال، حصرها بالحد الأدنى، إذ لم يكن في باله أن يمتد أمد الشغور لأكثر من شهر، “لأنه كان يعتقد بوجود رجالات دولة يتمتعون بحس المسؤولية تجاه الناس، ولديهم اهتمام بمناطقهم وشعبهم ولا يمكن أن يتركوا الشغور والفراغ إلى هذا الأمد”.
إلا أن الفراغ في لبنان يمتد اليوم على 8 أشهر، وقبل ذلك امتد لعامين ونصف، لذا وبحسب ريفي، لا يعود ما هو مذكور بالدستور يتماشى أو يطبق على السلطات التي لا تزال موجودة في البلد، والتي يفترض أن تسير الأمور وفق انتظام معين.
ويضيف أن الشعب اللبناني لديه حاجات ويعيش أزمات ومشاكل يجب أن تعالج خصوصا في ظل الانهيار الاقتصادي، وهو ما يفرض انكباب حكومي على العمل وليس الاكتفاء بتصريف الأعمال، مؤكدا أنه ومع استمرار الفراغ “علينا أن نتعايش معه وأن ننظم على الأقل الأمور لتفادي الوصول إلى منزلقات خطرة، على جميع المستويات”.
ويعتبر ريفي أن ما يشهده لبنان اليوم من صراع صلاحيات “ليس سوى أبسط الانعكاسات الراهنة التي قد نشهد أسوأ منها في القادم من الأشهر إذا ما استمر الفراغ، فنحن بلد غارق في الأزمات، والتيارات السياسية تزيد من تأزيم الوضع بدلا من تضافر الجهود للوصول إلى حلول.
ويحذر ريفي من انتقال صراع الصلاحيات إلى المؤسسة العسكرية في المرحلة المقبلة، “فكلما تأخر الفراغ سنمعن بالفوضى، وأتمنى أن تبقى الأمور ضمن الخلافات الإدارية وألا تتجه نحو توترات طائفية وأمنية وسياسية وربما في الشارع”.
ويرى ريفي أن آخر موعد لإنهاء الفراغ الرئاسي سيكون في سبتمبر المقبل، “بعد ذلك اعتقد أن الفراغ سيطول وربما لا يكون هناك رئيس للجمهورية وسندخل في فوضى عارمة وتوترات وغيرها من الاتجاهات والخيارات الخطرة.”
الحوار أو تغيير النظام
وتتجه أصابع الاتهام في عرقلة الاستحقاق الرئاسي ومحاولة فرض مرشح أوحد على اللبنانيين، إلى “الثنائي الشيعي” (حزب الله وحركة أمل) اللذين يدعمان ترشيح سليمان فرنجية للرئاسة، ويرفضان خوض حوار حول شخصية أخرى، وفق الناشط السياسي في التيار الوطني الحر، ناجي الحايك.
“لا يمكن لفريق واحد من اللبنانيين أن يفرض رئيس جمهورية على الآخر”، يقول الحايك، 4مضيفا أن هناك عشرات الشخصيات التي يمكن الاتفاق عليها، “ومن يعرقل ذلك هو الثنائي الشيعي الذي يريد سليمان فرنجية، والحوار لديهم مرتبط بسليمان فرنجية، وفي حين أنه لا يمثل المسيحيين لا يمكن أن يفرض علينا هذا الشخص بغض النظر عن الموقف منه”.
ويقول الحايك إن ما يعرضه التيار الوطني الحر اليوم هو أن يكون أمر رئاسة الجمهورية “شورى فيما بيننا”، ويمكننا الجلوس والحديث والنقاش حول الأمر.
وعن عدم موافقة التيار الوطني الحر على التعيينات، يؤكد الحايك أن ذلك “ناجم عن اعتبارنا أن الحكومة فاقدة للصلاحية، بكونها حكومة تصريف أعمال ودستوريا لا يمكنها التعيين، ليس أكثر من ذلك”.
ويتهم الناشط السياسي في التيار الوطني الحر “الثنائي الشيعي” بالاستثمار بالفراغ، عبر القول “إن لم تقبلوا بالمرشح الذي اخترناه سيكون البديل هو الفراغ وكل المواقع المسيحية ولاسيما المارونية ستفرغ إن لناحية حاكمية مصرف لبنان أو قيادة الجيش، أو التنظيم المدني أو غيرها”، من أجل الضغط على الأحزاب المسيحية قبل أن تفرغ مواقعهم في الدولة اللبنانية.
من جهته، ينفي الصحفي والمحلل السياسي، غسان جواد، ذلك في حديثه لموقع “آلحرة”، مشيرا إلى “عدم وجود توجه لدى الثنائي الشيعي لتخطي الاعتبارات المسيحية في البلد”.
ويضيف: “من ناحية حزب الله مثلا أعلنها أنه لن يسير بجلسة لتعيين حاكم لمصرف لبنان وهناك إجراءات تتخذ تشير إلى أنه ما من توجه لتعيين حاكم للمصرف من قبل الحكومة الحالية”.
أما بالنسبة لقضية الجيش والقوى الأمنية، فبحسب جواد “تذهب الأمور للأعلى رتبة، وفريق ٨ آذار موافق على مبدأ التراتبية وهو ما حصل في الأمن العام اللبناني الذي يرأسه شخصية شيعية، وبالتالي ما يقوله باسيل اليوم منطقي في هذه الناحية، واليوم جبران باسيل لديه أجواء حزب الله، ولم تنقطع العلاقة بينهما”.
والأمر ذاته من ناحية حركة أمل، بحسب جواد، “الرئيس نبيه بري قال قبل أيام إنه يحترم قرارات رئيس الحكومة بشأن التعيينات رغم إيمانه بأن الضرورات تبيح المحظورات”.
وبينما يخلص جواد إلى عدم وجود “أفق اشتباك سياسي واستفزاز حقيقي” في هذه الملفات، يشدد على أن “حزب الله” لا يفرض مرشحه على البلد، “لكن في المقابل يقول إنه الطرف الأقوى وبالتالي هو الأكثر استهدافا، وعليه يريد أن تعود الأمور لما كانت عليه لناحية التوازن السياسي في البلاد، يريد شخصية تطمئنه في رئاسة الجمهورية، وفي سبيل ذلك يعرض حوارا غير مشروط بسحب ترشيح فرنجية، بل حوارا مفتوحا يعبر فيه عن هواجسه ويعرض فيه فرنجية مرشحا من ناحيته”.
من ناحيته، يرى الحايك أن استمرار الفراغ وتمدده “قد يكون دافعا للبنانيين للجلوس والتحدث في إمكانية تغيير النظام القائم بمجمله”، ويضيف: “إذ لا يمكن العيش في بلد كل شيء فيه معرقل، وكل تباين في وجهات النظر من شأنه ان يعطل البلد وكل الأطراف لديهم حق فيتو على كل شيء، هذا لم يعد أمرا طبيعيا”.
في المقابل، يذكر جواد أن موقف حزب الله كان علنيا في هذا الشأن حيث “أعلن بوضوح أنه لا يعمل للاستفادة من الأزمة لتغيير النظام أو تحسين حصة الشيعة في النظام”، فيما هاجم بري (رئيس حركة أمل) فكرة تغيير نظام الطائف التي يروج لها خلال تصريحات صحفية مؤخرا.
وعلى الرغم من تخوف الحايك من أن يكون تغيير النظام في لبنان لا يصب في مصلحة المسيحيين على اعتبار أن الموازين العسكرية والديموغرافية لا تصب في صالحهم، يشدد على أن “المسيحيين دفعوا الكثير من الأثمان في الحرب والاحتلالات وتوقفها وما بعد، وإن كان سيأتي كل فترة من يهدد المسيحيين بالجيش الأجنبي والقوة وغيرها ويقضم من حقوقهم، فلنتخل عن هذا النظام القائم.
لا تعليق