رغم أنهم اعتادوا وشهدوا الكثير من الحملات التي استهدفت “المهاجرين غير الشرعيين” بحسب الرواية الرسمية للسلطات، إلا أن السوريين في تركيا باتوا يواجهون في الوقت الحالي “واقعا استثنائيا” وفق تعبيرهم، وتتصّدر صورته العامة مشاعر من “غياب الطمأنينة والمصير الغامض”.
وعلى مدى الأسبوعين الماضيين لم تتوقف الأخبار المتعلقة بـ”ترحيل سوريين” من مدينة إسطنبول بين أوساط اللاجئين وحساباتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وتزامن ذلك مع إعلان السلطات عن حملة أمنية تستهدف “المهاجرين غير الشرعيين”، دون أن تسم فئة أو جنسية بعينها.
وجاءت الحملة بعد أسابيع من تعيين الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان وزيرا جديدا للداخلية وواليا لإسطنبول، فيما أقدم الأسبوع الماضي على تغيير كامل الطاقم الخاص بـ”مديرية الهجرة العامة”، وبموجب مرسوم رئاسي.
وقبل فوزه بالانتخابات كان إردوغان قد وعد بإعادة “مليون لاجئ سوري طوعا إلى الشمال السوري”، ويوم الجمعة وفي أثناء عودته إلى تركيا قال للصحفيين على متن الطائرة إن “عدد السوريين الذين عادوا إلى سوريا طواعية وصل إلى حوالي مليون شخص”.
وأضاف أن “العدد سيزيد في المستقبل”، وأن “رغبة اللاجئين في العودة طواعية واضحة كما نرى ولديهم شوق لأراضيهم”، حسب تعبيره.
وربط إردوغان عملية “العودة” بمنازل الفحم الحجري التي يتم بناؤها في شمال سوريا، مشيرا إلى أن “قطر تدعم هذا المشروع، ووصل حتى الآن إلى نقطة بناء 100-150 ألف منزل”.
“نتمنى الطمأنينة”
ومن غير الواضح حتى الآن المسار الزمني المتعلق بخطة “العودة” التي تحدث عنها الرئيس التركي وحيثياتها والآليات التي يتم العمل من خلالها، وكذلك الأمر بالنسبة للحملة التي بدأتها السلطات، واستهدفت آلاف “المهاجرين غير الشرعيين”، حسب تصريحات وزير الداخلية، علي يري كايا.
ومع ذلك يرى سوريون تحدثوا لموقع “الحرة” أن الحملة القائمة تشي بمرحلة مختلفة باتوا يقبلون عليها، وخاصة أولئك “المخالفين”، الذين تتركز معيشتهم في إسطنبول، بينما يحملون قيودا تتبع لولايات أخرى.
“ثاني النعم بعد العافية هي الطمأنينة.. الجميع بات يفقتدها الآن ويتمناها”، حسب ما يقول محمد سليم وهو أحد الشبان السوريين الذين قصدوا إسطنبول بعد كارثة الزلزال المدمّر الذي ضرب الولايات الجنوبية من أجل العمل.
وصل سليم مع عائلته المكونة من أربعة أفراد قبل 3 أشهر قادما من كهرمان مرعش، ورغم أنه يمتلك إذن سفر محدد بثلاثة أشهر، إلا أنه يتجنب ومنذ أسبوعين الساحات العامة والشوارع الفرعية، خوفا من أن تطاله الحملة، حسب ما يقول لـ”الحرة”.
ويضيف أن اثنين من رفاقه ألقت السلطات القبض عليهم بينما كانوا عائدين من العمل الأسبوع الماضي، ومن ثم نقلتهم إلى مركز احتجاز المهاجرين في توزلا، وأنه “قد يتم ترحيلهم إلى الشمال السوري أو يعادوا إلى الولاية التي تعود قيودهم إليها”.
ونادرا ما تعلّق السلطات التركية على “عمليات الترحيل”، التي سبق وأن وثقتها منظمة “هيومان رايتس ووتش” ومنظمات حقوقية سورية، آخرها “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، مشيرا إلى ترحيل أكثر من 30 ألف لاجئ منذ بداية العام الحالي.
ويتجاوز عدد السوريين المقيمين في تركيا، سواء “لاجئين” أو “سياح” أكثر من أربعة ملايين شخص، ويتركز العدد الأكبر منهم في ولاية إسطنبول، ومع إعلان إردوغان “عودة مليون لاجئ” يكون الرقم الرسمي قد قل بشكل كبير.
لكن الباحث السياسي التركي، هشام جوناي تحدث عن “إشكالية في ملف اللاجئين السوريين منذ البداية”، وأن “الحكومة لا تتعامل بشفافية”.
ويقول لموقع “الحرة”: “لا نعرف أعداد اللاجئين بشكل نهائي وهناك الكثير من الأرقام التي يتداولها الإعلام وحتى المسؤولون. البعض يتحدث عن 4 مليون و3 ملايين والآخر عن مليون. هذا التضارب يطرح تساؤلات”.
ولا يتعلق “انعدام الشفافية بالأرقام” فحسب وفق جوناي، بل بالسياق العام لملف اللاجئين.
ويوضح الباحث أن “الحكومة أعلنت لأكثر من مرة أنها صرفت مليارات الدولارات على اللاجئين.. لم نر هذا المبلغ وإلى من تم توزيعه وكيف؟. الشفافية كانت ناقصة في الأعداد والمصاريف وأيضا في التجنيس”.
وفي حين يقول المحلل السياسي التركي، يوسف كاتب أوغلو إن “هناك سياسة جديدة للحكومة لضبط الأمور والتشديد على المهاجرين غير الشرعيين”، إلا أنه ينفي وجود “سياسة منهجية في موضوع الترحيل”.
ويشير كاتب أوغلو في حديث لموقع “الحرة” إلى عمليات تشديد كبيرة في إسطنبول، وخاصة ضد المهاجرين غير الشرعيين الذين يأتون من دول شرق آسيا.
وفيما يتعلق بالسوريين يوضح المحلل السياسي أن الحملة من جانب تستهدف التأكد من وجودهم بشكل نظامي، دون أن يستبعد “حصول بعض التجاوزات من جانب أفراد منتسبين للحكومة”.
ويؤكد أن “هناك تجاوزات فردية فقط وهي مرفوضة”، وأن “القوانين التركية ما تزال تضمن للسوريين حق الإقامة طالما الأفراد ملتزمين ببنودها”، حسب تعبيره.
“مصير غامض”
وقبل حديثه عن “عودة المليون” كان الرئيس إردوغان قد وعد بالقول: “مواطنونا سيشعرون بالتغييرات الواضحة فيما يتعلق بالمهاجرين غير الشرعيين في وقت قصير، وقواتنا الأمنية شددت الإجراءات والأنشطة”.
وقبله أعلن والي إسطنبول الجديد، داوود غول أنه لن يسمح لأي أجنبي غير مسجل البقاء أو الإقامة في مدينة اسطنبول، مضيفا أن السلطات “ستعمل على ترحيل المقيمين غير الشرعيين خارج البلاد فور ضبطهم”.
وبينما أزالت الحملة الحالية “الطمأنينة من قلوب الكثير من اللاجئين” زادت من حالة “المصير الغامض”، ولاسيما أنه لا أفق واضح للسياسة الحكومية الجديدة المتعلقة بالهجرة.
ويعتبر الباحث السياسي جوناي أن “موضوع الإعادة لا يمكن أن نفصله عن سياسة الحكومة الغامضة”.
ويقول: “لا نعرف كيف يتصرفون ويتعاملون وما هو معاير عملية الإعادة. يتحدثون عن عودة طوعية. ما شروطها؟ لا نعرف”.
ويعتقد الباحث أن “الحكومة الجديدة تريد أن تعيد ربما جزء من اللاجئين من خلال إجراءات تعسفية، لكي تظهر أنها أوفت بوعودها التي قطعتها قبل الانتخابات”.
ولم تصدر أي تصريحات رسمية من جانب وزارة الداخلية بشأن “عمليات الترحيل” التي باتت أخبارها تنتشر إلى حد كبير بين أوساط اللاجئين.
ومع ذلك يشير جوناي إلى “وجود إرادة لخلق جو عام للاجئين يمنعهم من التنقل إلى إسطنبول، ويشعرهم بعدم الراحة لكي يعودوا (طوعا) إما إلى الشمال السوري أو إلى بلد آخر”.
لكن في المقابل يقول المحلل السياسي كاتب أوغلو إنه “لا يوجد توجه حكومي لإخراج السوريين من البلاد”، وأن “السوريون والعرب لهم كل الحقوق”، مضيفا أن “إردوغان يمثل رأس الهرم السياسي ويؤكد على ذلك”.
لا تعليق