بعد مرور 100 عام على توقيع معاهدة “لوزان” التي شكلت حدود الدولة التركية الحديثة، مازال الأكراد يعلنون رفضهم لتلك الاتفاقية التي يصفونها بـ”المجحفة”، بينما يتحدث مختصون وناشطون أكراد لموقع “الحرة” عن أسباب ذلك الرفض المتواصل، على مدار قرن من الزمن.
مئة عام على “لوزان”
والسبت، نظمت تظاهرة كردية كبرى في لوزان شارك فيها نحو ستة آلاف شخص، بمناسبة الذكرى المئوية للمعاهدة التي أبرمت في هذه المدينة السويسرية ورسمت حدود تركيا الحديثة، منددين بتداعياتها على الأكراد.
ويجتمع أبناء الجالية الكردية بانتظام في الذكرى السنوية للمعاهدة، في تظاهرات يشارك فيها مئات منهم، لكن هذه المرة كان العدد أكبر بكثير من المعتاد، وفق المصادر نفسها.
وانطلق المتظاهرون من جوار فندق “شاتو دوشي” الواقع على ضفاف بحيرة ليمان، الذي استضاف المحادثات التي أفضت إلى المعاهدة، حسبما ذكرت وكالة “فرانس برس”.
وساروا رافعين أعلاما تحمل صور الزعيم الكردي المسجون منذ العام 1999، عبدالله أوجلان، وصولا إلى قصر رومين وسط المدينة، حيث وقّعت المعاهدة.
ما هي معاهدة “لوزان”؟
عقب نهاية الحرب العالمية الأولى، فككت معاهدة “سيفر” الموقعة في 10 أغسطس 1920، السلطنة العثمانية، مما كان يمهد الطريق لإنشاء دولة كردية.
ولكن، في نوفمبر 1922، انعقد مؤتمر “لوزان” لإعادة التفاوض على معاهدة “سيفر”، المبرمة بين الحلفاء والإمبراطورية العثمانية، ورفضها الزعيم الاستقلالي التركي، مصطفى كمال أتاتورك، الذي أصبح لاحقا مؤسس تركيا الحديثة.
وتولت الدبلوماسية البريطانية تنسيق المؤتمر الذي ضم خصوصا بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وتركيا.
وفي 24 يوليو 1923 تم توقيع معاهدة “لوزان” بين تركيا وقوى متحالفة، بينها بريطانيا وفرنسا.
والمعاهدة بحسب المركز الثقافي الكردستاني “أقرت توزيع الشعب الكردي على أربع دول هي تركيا والعراق وإيران وسوريا، وهي دول فاشلة ديمقراطيا إلى حد كبير”.
وتخلت القوى الكبرى عن الأكراد “لدولة تركية قومية وعنصرية، مما أدى إلى قرن من المجازر وعمليات التهجير القسري وسياسات القمع والاستيعاب”، بحسب المركز الثقافي الكردستاني.
ومن بين التداعيات التي نجمت من المعاهدة تبادل قسري للسكان بين تركيا واليونان، شمل أكثر من 1.5 مليون من اليونانيين والأتراك.
وتم إلحاق شرق الأناضول بتركيا الحالية في مقابل تخلي الأتراك عن المطالبة بمساحات في سوريا والعراق كانت ضمن أراضي الإمبراطورية العثمانية.
ومنذ ذلك الحين، يُنظر إلى الأكراد المطالبين بإقامة كردستان موحدة على أنهم تهديد للسلامة الإقليمية للدول التي استقروا فيها، تبعا لتقلبات الأحداث الدولية، وإن نُظر إليهم في بعض الأحيان على أنهم حلفاء مؤقتون لقوى معينة، حسب “فرانس برس”.
لماذا يرفض الأكراد المعاهدة؟
الأكراد شعب من دون دولة، يتراوح عدد أفراده بين 25 و35 مليون شخص منتشرين بين العراق وإيران وسوريا وتركيا.
ويعيش الأكراد في مناطق تمتد على نحو نصف مليون كيلومتر مربعة، ومعظمهم من المسلمين السنة، إضافة إلى أقليات غير مسلمة ومجموعات سياسية معظمها علمانية، وفق “فرانس برس”.
ويرجع الخبير في الشؤون الكردية التركية، خورشيد دلي، السبب الأساسي لرفض الأكراد الاتفاقية إلى “اعتقادهم بأنها أطاحت بحلمهم القومي في إقامة دولة مستقلة في المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى”.
وفي حديثه لموقع “الحرة” يوضح أن التظاهرة الضخمة التي شهدتها لوزان في الذكرى المئوية لهذه الاتفاقية كانت رسالة في اتجاهين.
الرسالة الأولى إلى الدول الغربية، لاسيما الأوروبية، بضرورة تحمل مسؤولياتها إزاء القضية الكردية وأنه حان الوقت لتحرك دولي من أجل إيجاد حل سياسي للقضية، حسبما يشير دلي.
أما الرسالة الثانية فهي تتعلق بتحذير المجتمع الدولي من السياسات التركية ضد الأكراد، وفقا لحديثه.
ومن جانبه يرى مدير المركز الكردي للدراسات في ألمانيا، نواف خليل، أن محصلة ١٠٠ عام بعد معاهدة لوزان شملت “تهجير ملايين الأكراد وتدمير قراهم، ومحاولة محو الهوية الكردية بشكل كامل”.
ولاتزال تداعيات تلك الاتفاقية مستمرة، ليس فقط داخل تركيا، لكن خارج الحدود التركية الرسمية، لكنها لم تستطع “إنهاء المقاومة الكردية”، وفقا لحديثه لموقع “الحرة”.
تداعيات جغرافية وتاريخية
في حديثها لموقع “الحرة”، تشير الناشطة الكردية، لامار اركندي، إلى تداعيات جغرافية وتاريخية وإنسانية مستمرة حتى يومنا هذا للاتفاقية التي تم توقيعها قبل قرن.
وتصف اركندي الاتفاقية بـ”المجحفة بحق الأكراد”، من حيث “ترسيم الحدود”، والتسبب في تشتيت الكرد بين دول عدة.
ومارست بعض تلك الدول “انتهاكات” بحق الملايين من الأكراد، منذ ذلك الحين، وفقا لحديثها.
ولذلك يعتبر الأكراد “معاهدة لوزان” مأساة تاريخية مريرة بعدما حلت محل معاهدة “سيفر”، مما شكل “ضربة قاضية” لتطلعات الكرد بـ”تحديد مصيرهم”، حسبما توضح اركندي.
وتشير إلى أن الحدود الجديدة التي تم رسمها حينها تسببت في “تشرذم الأكراد وقسمتهم وألحقتهم بأربعة دول جديدة”، وحرمت الشعب الكردي من حقه بتأسيس “كيان مستقل”، أو الاعتراف بـ”حكم ذاتي” في الجغرافيات التي ينتشرون بها في تلك الدول.
وحسب الناشطة الكردية، فقد عانى الأكراد من ” التهجير والاضطهاد والتجريد من الجنسية وعمليات التغيير الديمغرافي، وإجهاض كل كفاح مسلح لنيل الحرية”، بعد توقيع الاتفاقية.
وتتحدث اركندي عن تعمد حكومات الدول التي يعيش بها الأكراد “حرمانهم من حقوقهم وتعريب وتتريك أسماء مدنهم وقراهم، ومنعهم من التحدث بلغتهم الأم”.
ولذلك يأمل الأكراد بإعادة تفعيل معاهدة “سيفر” لضمان حقوقهم والعيش ضمن كيان يحميهم من الإبادة والمجازر، حسبما توضح الناشطة الكردية.
لا تعليق