تتوالى اعترافات الدول، بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، ودعم مقترح الحكم الذاتي، الذي تعرضه المملكة كـ”حلّ وحيد” للملف العالق منذ عقود، بينما تنظر الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب “بوليساريو” ومن ورائها، الجزائر، إلى تلك الاعترافات على أنها “صفقات لا قيمة قانونية ولا سياسية لها”.
والاثنين الماضي، أعلن الديوان الملكي في الرباط أن إسرائيل قرّرت “الاعتراف بسيادة المغرب” على الصحراء الغربية.
وقبل الاعتراف الإسرائيلي، أعلنت دول عديدة اعترافها هي الأخرى بما يعرف في المملكة بـ”مغربية الصحراء”.
كان على رأس تلك الدول، الولايات المتحدة، التي أعلن رئيسها السابق، دونالد ترامب، بأنه يدعم سيادة المغرب على الصحراء، بينما أكد في تغريدة على حسابه على تويتر أن قراره يتناسب مع موقف المغرب التاريخي من استقلال الولايات المتحدة، باعتباره أول دولة تعترف بالولايات المتحدة كدولة مستقلة.
وتعزّز الموقف المغربي مؤخرا بإعلان إسبانيا هي الأخرى، تأييد مقترح الحكم الذاتي، وهي الخطوة التي فتحت الباب أمام تطبيع علاقات البلدين، بعد أزمة دبلوماسية حادة دامت نحو عام.
وبعد أن التزمت الحياد لعقود، باتت مدريد، تعتبر أن خطة الحكم الذاتي هي “الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف” في الصحراء الغربية.
دعم دولي متزايد للمغرب
في المجموع، أبدت أكثر من أربعين دولة تأييدها لمقترح الحكم الذاتي المغربي، وهو ما تبين من خلال المشاركة الواسعة في المؤتمر الوزاري الداعم لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية في 15 يناير 2021، بدعوة من الولايات المتحدة والرباط.
ومن بين الدول العربية التي شاركت في المؤتمر، السعودية والإمارات ومصر والبحرين والكويت والأردن، وعمان واليمن.
وبالإضافة إلى كل من الولايات المتحدة، وفرنسا، شاركت بعض الدول الأفريقية، في الحدث لإبداء دعمها للمقترح المغربي، ومنها، السنغال، الغابون، غامبيا، غينيا، زامبيا، توغو، جزر القمر، غينيا بيساو، غينيا الاستوائية، ملاوي، ليبيريا، ساحل العاج، جيبوتي، وكذا جمهورية إفريقيا الوسطى، والكونغو الديمقراطية، و بوروندي، و بنين.
إلى ذلك، دعمت المقترح المغربي أيضا كل من غواتيمالا، وهايتي، وأنتيغوا وبربودا، ساو تومي وبرينسيبي، سانت لوسيا، جمهورية الدومينيكان، بربادوس، جامايكا، جزر المالديف، والسلفادور، وسوازيلاند (إسواتيني).
مقترح الحكم الذاتي الذي تطرحه الرباط يحظى أيضا بدعم عدد من الدول، الأوروبية، أبرزها بلجيكا وفرنسا وألمانيا وهولندا وقبرص ولوكسمبورغ والمجر ورومانيا والبرتغال وصربيا.
وترجمت عدة دول اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء بفتح قنصليات بالإقليم المتنازع عليه.
وتم افتتاح قنصلية للإمارات والبحرين في مدينة العيون في 2020، لتتوالى بعدها الإعلانات عن فتح عدة قنصليات أخرى.
كما اختارت جمهورية هايتي من ضمن دول أخرى، مدينة الداخلة، وهي ميناء صيد كبير يقع في الجنوب، لتفتح قنصلياتها هناك.
وكانت جبهة البوليساريو والجزائر أدانتا افتتاح قنصليات أجنبية بالمنطقة، واعتبره الأمين العام للجبهة، إبراهيم غالي، في تصريح سابق، “انتهاكا للقانون الدولي ومساسا بالوضع القانوني للصحراء الغربية”.
المقترح المغربي
يقترح المغرب منح الصحراء الغربية المتنازع عليها حكما ذاتيا تحت سيادته “في إطار وحدته الترابية”، كـ”حل وحيد” لإنهاء النزاع القائم منذ العام 1975 مع جبهة بوليساريو التي تطالب باستفتاء على حق تقرير المصير في الإقليم.
في هذا الإطار، عرض المغرب “مبادرته للتفاوض بشأن نظام للحكم الذاتي لجهة الصحراء” في 11 إبريل 2007، استجابة لدعوات مجلس الأمن الدولي الذي يتولى النظر في هذا النزاع، بغرض التوصل إلى “حل سياسي نهائي” له.
على غرار بيانات التنديد التي أعقبت أبرز التأييدات للمقترح المغربي، نددت “بوليساريو” بتأييد إسرائيل الأخير، وقالت في بيان إن “لا قيمة قانونية ولا سياسية له، مضيفة أنه لن يزيد الشعب الصحراوي إلا إصرارا على مواصلة كفاحه التحرري في مختلف الجبهات”.
وجاء موقف “بوليساريو” موافقا للموقف الجزائري، حيث حمّل بيان وزارة الإعلام في “الجمهورية الصحراوية” ذات الاعتراف المحدود، المجتمع الدولي مسؤولية التداعيات الخطيرة المترتبة عما وصفه بـ”التحالف الإسرائيلي – المغربي” وما رأى فيه سعيا “لاستغلال الحرب في الصحراء الغربية لتطبيق أجندات تخريبية مشتركة، أمنية وعسكرية، تهدف إلى زعزعة أمن واستقرار منطقة شمال افريقيا والساحل عموما”.
وقال بيان لوزارة الخارجية الجزائرية، الخميس، إن قرار إسرائيل الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، يشكل “انتهاكا جديدا للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي”.
أول تعليق رسمي من الجزائر على اعتراف إسرائيل بسيادة المغرب على الصحراء الغربية
قالت الجزائر، الخميس، إن قرار إسرائيل الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية يشكل انتهاكا جديدا للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي.
صراع مرير
أدرجت الصحراء الغربية في قائمة الأمم المتحدة للأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي منذ عام 1963 بعد أن أحالت إسبانيا ملف الصحراء للهيئة الأممية بموجب المادة 73 من ميثاق الأمم المتحدة.
ومنذ تلك الفترة، تعتمد الجمعية العامة للأمم المتحدة، كل عام، قرارات بشأن الصحراء الغربية، ضمن ما يعرف باللجنة الـ24 وهي اللجنة المعنية بإنهاء الاستعمار.
إلى ذلك، ترعى الأمم المتحدة منذ عقود، جهودا لإيجاد حل سياسي متوافق عليه ينهي هذا النزاع، حيث مدد مجلس الأمن في قرار جديد مهمة بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو) لعام آخر حتى نهاية 31 أكتوبر 2023.
وشهدت هذه المستعمرة الإسبانية سابقا نزاعا مسلحا حتى وقف إطلاق النّار العام 1991 بين المغرب و”بوليساريو”.
هذا الوضع، في نظر المحلل السياسي المغربي، عبد الحفيظ الزهري، “لن يقف أمام حق المغاربة في استرجاع صحرائهم”، حسب تعبيره.
وفي حديث لموقع الحرة، أشاد الزهري بمواقف الدول التي تعترف، تباعا، وفقه، بما يصفه بـ”مغربية الصحراء” مؤكدا أن ذلك كله يسير في اتجاه “عودة الحق لأصحابه”، حسب تعبيره.
“اعترافات أحادية الجانب”
لكن ممثل “بوليساريو” لدى الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية، أبي بشراي البشير، يرى بأن لا تأثير عمليا لهذه الاعترافات “أحادية الجانب” وفق وصفه، والتي يرى بأن “قيمتها دعائية بحتة”.
ويؤكد البشير في مقابلة مع موقع الحرة على أن الدليل على أن مقترح المغرب لحل قضية الصحراء الغربية، لم يوفق، هو وجوده منذ 2007، دون أن يطبق فعليا.
ويردف “لم يطبق المقترح المغربي بسبب عامل جوهري، وهو تناقضه مع طبيعة النزاع والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة”.
يذكر أن جبهة “بوليساريو” تؤكد على أنها الممثل الوحيد للشعب الصحراوي، وهي مدعومة بشكل كبير من الجزائر، التي نددت هي الأخرى باعتراف إسرائيل بسيادة المغرب على الصحراء.
الوضع القانوني للملف؟
يرى الزهري من جانبه، أنه بعد كل هذه الإعلانات التي تصب في مصلحة المغرب، فإن “الشعب المغربي والدولة في وضع قانوني الآن يسمح لهما بالدفاع عن القضية الوطنية الأولى”.
وأردف قائلا “هذه الاعترافات تعزز الشق القانوني لسيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية للمملكة، وتؤكد ضمنيا بأن القضية مفتعلة”.
أما عن الآثار القانونية التي يتوقعها عن توالي إعلانات تأييد الطرح المغربي، فيرى الزهري بأنها “ستختصر المدة الزمنية المتوقعة للاعتراف الدولي الرسمي بالوحدة الترابية للمغرب”.
الزهري ذهب بعيدا ليقول “ربما قد يتم الاعتراف الدولي في القريب العاجل، 2024 على أكثر تقدير”.
ردا على ذلك، يقول البشير إن المقترح المغربي ليس حلا وسطا لأنه يتخذ القرار حول جوهر النزاع، ألا وهو السيادة والوضع النهائي للإقليم، بصورة كاملة لصالح المغرب وبشكل مسبق لاستشارة الشعب الصحراوي.
ثم يضيف “المقترح في النهاية هو صيغة رابح في مقابل خاسر” لأن المغرب يربح كل شيء والشعب الصحراوي يخسر كل شيء”، وفق قوله.
البشير وصف هذا الوضع بالقول “هذا غير عادل وغير منطقي ولن يكتب له النجاح لا اليوم ولا غدا”.
ورأى بأن هذه الاعترافات لن تغير من الوضع القانوني للنزاع شيئا “وقد أكد على ذلك ستيفان دوجاريك الناطق باسم الأمم المتحدة أول أمس” يقول الرجل.
ثم تابع متسائلا “مرت حوالي ثلاث سنوات على اعتراف ترامب، وهو رئيس القوة العظمى في العالم، هل غير ذلك من شيء؟”.
يذكر أن جبهة “بوليساريو” ترى أن المغرب استولى على أراضي الصحراء الغربية، مباشرة بعد خروج إسبانيا منه، وهو السبب وراء حملها السلاح ضد القوات المغربية منذ عقود.
وفي 2020، أعلنت الجبهة إنهاء العمل باتفاق وقف إطلاق النار المبرم عام 1991، ردا على عملية عسكرية مغربية لإبعاد مجموعة من عناصر بوليساريو أغلقوا الطريق الوحيد المؤدي إلى موريتانيا المجاورة الذي تعتبره الجبهة غير قانوني بموجب الاتفاق.
الطرح المغربي وخيارات “بوليساريو
يرى المحلل السياسي، محمد القطاطشة، بأن مصير الملف إلى التهدئة، حيث أن الطرح المغربي الذي بات يحظى بدعم عربي ودولي “غير مسبوق” وفق وصفه، سيحمل الأطراف على الجلوس إلى طاولة المفاوضات دون أي شرط “حتى تتم حلحلة هذا النزاع المرير”.
وفي حديث لموقع الحرة، شدد القطاطشة على أن الكثير من الدول أضحت تعترف بسيادة المغرب على الصحراء، متسائلا عن جدوى “عدّ القضية ضمن لجنة إنهاء الاستعمار الأممية” وقال “لا يجب على المغرب أن يقبل هذا الطرح، طالما أن له الشرعية التاريخية”.
رغم التوتر مع المغرب.. رفض أوروبي لإنشاء “لجنة خاصة” بنزاع الصحراء الغربية
رفض الاتحاد الأوروبي طلبا تقدمت به مجموعة التحالف الأوروبي الحر لإنشاء قسم خاص بالصحراء داخل دائرة العمل الخارجي الأوروبي (EEAS)، في حين قدم محللون تحدثوا لموقع “الحرة” “أسبابا سياسية وقانونية” لقرار الرفض الصادر عن الممثل السامي للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل.
الرجل قال أيضا إن الاعترافات المتتالية، مصيرها أن تُخرج الملف من هذه اللجنة، حيث لن يكون منطقيا الحديث عن استعمار للصحراء.
لكنه عاد ليؤكد أن الحل يجب أن يكون بين الدول العربية بعضها بعضا، طالما تتفق في أغلبها على ضرورة النظر في المقترح المغربي.
وقال “لا دخل لإسرائيل ولا لأي دولة أوروبية في هذا الملف، على العرب أن يعملوا على حلّه فيما بينهم وذلك بمعية جميع الأطراف”.
من جانبه يؤكد البشير أن لدى “بوليساريو” عدة خيارات دأبت عليها وهي “مواصلة المقاومة والكفاح المشروع من أجل الحق المعترف به دوليا في تقرير المصير والاستقلال”.
البشير يعود بعدها ليؤكد “خيارنا الأوحد هو مواصلة الكفاح لتحقيق الاستقلال”.
يشترط الرجل -لكي يكون للمغرب الحق في إعطاء الإقليم حكما ذاتيا- أن يحل مشكلة السيادة أولا “وذلك لن يتأتى إلا عن طريق الاحتكام لإرادة المالك الحقيقي للقرار النهائي ألا وهو الشعب الصحراوي” في إشارة إلى الاستفتاء حول تقرير المصير الذي أوصت به الأمم المتحدة عام 1991 عندما وقّعت الرباط والبوليساريو وقفا لإطلاق النار بينهما.
لكنه يستدرك بالتأكيد على أن هناك خيارات أخرى مثل الخيار العسكري، والدبلوماسي والمقاومة السلمية، على حد تعبيره.
بمساهمة “مليارية”.. الجزائر تطلب رسميا الانضمام لمجموعة “بريكس”
لا تعليق