تسعى الجزائر للتخلص من اعتمادها “شبه الكلي” على صادرات النفط، بدعم قطاعات إنتاجية أخرى، وهو ما يترجمه تصريح الرئيس، عبد المجيد تبون، الذي أكد، الثلاثاء “حرص الدولة على الدعم المستمر، ومرافقة المتعاملين الاقتصاديين الخلاقين للثروة”.
تبون حثّ خلال إشرافه، الثلاثاء، على النسخة الأولى لحفل “الوسام الشرفي للتصدير” على استحداث “في أقرب وقت”، “المجلس الأعلى للمصدرين” الذي يتكفل بكل مشاكل المصدرين والحوافز و التسهيلات الموجهة لهم”.
ويعتبر قطاع المحروقات الدعامة الأساسية للاقتصاد الجزائري بامتياز، إذ تمتلك الجزائر حوالي 1% من احتياطي النفط في العالم و 3% من الغاز، وفق تحليل نشره موقع “أوبن إديشن جورنالز”.
تبون قال، الثلاثاء، إن صادرات الجزائر خارج المحروقات التي لم تكن تتجاوز في 2018 و2019 ما نسبته 3 بالمائة من إجمالي الصادرات “تحقق اليوم 11 بالمائة وبنهاية 2023 أو بداية 2024 ستصل هذه النسبة إلى 16 بل الى 22 بالمائة”.
فهل يمكن للجزائر تحقيق هذه النسبة؟ وما هي القطاعات التي يمكن أن تعتمد عليها لبلوغ هذا الهدف؟
“هدف قابل للتحقيق”
يقول عضو لجنة المالية والميزانية بالبرلمان الجزائري، عبد القادر بريش، إن هذا الهدف “قابل للتحقيق” على أساس الجهود المبذولة في هذا السياق، منذ أكثر من 3 أعوام.
وأضاف، في اتصال مع موقع الحرة “تراهن الجزائر على الوصول إلى ما قيمته 13 مليار دولار من الصادرات خارج المحروقات، بعدما وصلنا السنة الماضية إلى 7 مليارات دولار”.
الرئيس تبون في كلمة قوية..” وصلنا لـ 7 ملايير دولار تصدير خارج المحروقات ونحن على وشك 13 مليار دولار خارج المحروقات لأن الجزائر ليست لها مديونية وحرة في قرراتها السياسية والإقتصادية” pic.twitter.com/r1kSMW3coq
— EL BILAD – البلاد (@El_Bilade) July 11, 2023
ورغم اعترافه بأن نسبة 22 بالمائة تعتبر تحد، إلا أنه أوضح أن “الوتيرة التي شهدناها خلال السنتين الماضيتين”، والانتقال من 5 مليارات دولار من الصادرات خارج المحروقات في 2020، وصولا إلى 13 مليار دولار متوقعة، “تشي بأن الوصول إلى الهدف ممكن جدا”.
يذكر أن الصادرات الجزائرية خارج قطاع المحروقات كانت لا تتعدى في 2019، 1.7 مليار دولار، وفق وكالة الأنباء الجزائرية، التي أكدت المنحى التصاعدي لصادرات البلاد خارج المحروقات.
وكشفت الوكالة الحكومية، أن أهم القطاعات التي رفعت من نسبة الصادرات خارج نطاق المحروقات هي قطاع المنتجات الكيميائية وشبه الكيميائية، بالإضافة إلى قطاع الأدوية و المواد الصيدلانية، وصناعة الحديد والصلب، وصناعة البلاستيك والمطاط ومنتجات الزجاج، وقطاعات صناعية أخرى مثل الورق والكرتون والأجهزة الكهربائية والنسيج، ومختلف المنتجات الاستهلاكية الغذائية مثل السكر، والمياه المعدنية والغازية، والعصائر وزيت الصوجا، وكذا المنتجات الفلاحية مثل التمور وزيت الزيتون.
ميزات تنافسية و”التوجه نحو إفريقيا”
وفي إجابته على سؤال لموقع الحرة، بشأن إمكانية أن تنجح الجزائر في التخلص من التبعية لقطاع المحروقات، بناء على الأرقام التي كشفتها وكالة الأنباء الجزائرية، وتصريحات تبون، قال المحلل الاقتصادي، محمد سيدمو، إنه يعتقد أن “الهدف قابل للتحقيق لعدة اعتبارات” لخصها في كون المنتج الجزائري يمتاز بتنافسيته بالنظر لتكاليف العمالة المنخفضة جدا في البلاد بالإضافة إلى الدعم المعمم للطاقة الذي يشمل الشركات والمواطنين على حد سواء، مثل دعم الكهرباء أو البنزين أو الغاز، وغير ذلك.
أما عن آلية دعم المنتج خارج نطاق المحروقات وتسهيل تصديره، فينوّه الرجل بسياسة “التوجه نحو أفريقيا” التي تنتهجها الجزائر، خلال السنوات القليلة الماضية.
وقال إن التوجه نحو أفريقيا “يعد الأكثر ملاءمة في الفترة الحالية” مع إنشاء طريقين استراتيجيين هما تندوف-الزويرات الذي سيسمح بوصول المنتجات الجزائرية إلى موريتانيا ومنها نحو أسواق أفريقيا الغربية، وطريق الوحدة الأفريقية الذي يربط الجزئر بلاغوس في نيجريا ويمكن من دخول منطقة الساحل ووسط أفريقيا، بالإضافة إلى الخط البحري بين الجزائر والسنغال.
إلى ذلك، لفت سيدمو إلى قرار الجزائر توطين بنوك محلية ببلدان أفريقية، وصفها بـ”المفتاحية” وهي موريتانيا والسنغال ولاحقا كوت ديفوار، وقال إن ذلك يدخل ضمن مساعي دعم الصادرات خارج نطاق المحروقات.
ورغم تثمينها للجهود التي تبذلها الحكومة للنهوض بالقطاعات المنتجة، إلا أن رئيسة الكونفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية، سعيدة نغزة، لفتت إلى “بعض التأخر في صياغة القوانين التطبيقية” الخاصة بالاستثمار.
وفي اتصال مع موقع الحرة، كشفت نغزة أنه لم يتم بعد تسوية وضع العقار الصناعي “الذي يعتبر أساسيا في عملية الاستثمار” وفق تعبيرها، إلى جانب ما وصفته بـ”العراقيل البيروقراطية”.
وفي المقابل، ثمّنت نغزة سعي الرئيس استحداث مجلس وطني لمرافقة ومساعدة أصحاب الأعمال، الذين يرغبون في التصدير و الدخول إلى الأسواق العالمية.
يذكر أن مؤسات إنتاجية عدة كُرّمت، الثلاثاء، من قبل الرئيس تبون، بعدما استطاعت تحقيق أرقام واعدة في مجال التصدير، على رأسها، مؤسة “إيريس” للأجهزة الإلكترونية، التي بلغت قيمة صادراتها 45 مليون دولار لـ28 دولة، إلى جانب مؤسسة تصنيع الزجاج المسطح “ميديتيرانين فلوت غلاس” التي تمكنت من تصدير ما قيمته نحو 136.94 مليون دولار من المنتجات لـ35 بلدا، وكذا مؤسسة “فاداركو” للمنتجات الصحية والسيليلوز، التي تمكنت من تصدير منتجات بقيمة 63 مليون دولار لنحو 23 بلدا.
“لا نزال بعيدين”
ورغم أن هذه الأرقام محفزة، إلا أنها “تبقى أرقاما معرضة للصعود والنزول، ولا تعطي الصورة الحقيقة للصادرات خارج المحروقات” وفق المحلل الاقتصادي، كاوبي محفوظ.
وفي حديث لموقع الحرة، شدد محفوظ على ضرورة مقارنة الأرقام التي تم نشرها بسياقات التصدير العامة، ونهج المنافسة العالمية “الذي قد يكشف أننا لا نزال بعيدين عن تحقيق قفزة في مجال الصادرات خارج المحروقات”.
وأشار كاوبي إلى أن هذه الأرقام، ولو أنها محفزة، إلا أنها لا تعكس حقيقة الواقع، إذ يرى أن الصادرات خارج المحروقات أمامها طريق طويل، لكي تستطيع إخراج الجزائر من تبعيتها للمحروقات، أو “باطن أرضها” وفق تعبيره.
وقال “إذا أنت استوردت المادة الأولية بالعملة الصعبة، ثم أنتجت أي شيء لتصدره، لا تعتبر نفسك أنك قدمت قيمة مضافة”.
وشدد الرجل على أن عدد المؤسسات التي ساهمت في الدفع بأرقام التصدير خارج المحروقات، تعد على الأصابع وتساءل عن وزنها ضمن السياق العام، وقال “أعتقد أنها لا تزن الشيء الكثير”.
لكنه عاد ليؤكد على إيجابية الدينامية السائدة بهذا الخصوص، وقال إنه يمكنها أن تُلفت إلى أن الجزائريين بإمكانهم الاعتماد على أنفسهم.
كاوبي لفت إلى أن المؤسسات الجزائرية الحالية، التي من المفروض أن تعتمد عليها سياسة دعم الصادرات خارج المحروقات “ليست مؤهلة للتنافس على الصعيد الإقليمي والعالمي”.
أرقام ومقارنات.. لماذا لم تستطع الجزائر الغنية بالنفط الخروج من دائرة الفقر؟
تزخر الجزائر التي تُعد أكبر بلد في أفريقيا بموارد طبيعية هائلة، لكنها “لم تستطع بعدُ، الخروج من دائرة الدول الفقيرة” وفق تحليل أشار إلى هذه المفارقة بمقارنتها بجيرانها، تونس، والمغرب.
وقال “أغلب مؤسساتنا ليست على أهبة الاستعداد للتنافس على الصعيد العالمي، بينما أخرى استفادت من بعض الظروف” وضرب مثلا بإنتاج الفولاذ الذي أصبحت الجزائر تصدره لأن الصين -أكبر مورد له- قد تعرض لبعض القيود لتصديره لكامل الدول عبر العالم.
وخلال حديثه عن الظروف التي خدمت رفع قيمة الصادرات خارج المحروقات “بشكل مؤقت”، لفت كاوبي إلى أن مواد البناء التي تصدر إلى الخارج، مثلا، استفادت من تراجع مشروعات البناء محليا، وهو ما جعل المنتجين يستديرون للخارج.
لكنه عاد ليؤكد أن رسم خطة لدعم الصادرات خارج المحروقات “شيء إيجابي يجب التنويه به”.
لا تعليق