التقييم post

أطلقت منظمات إنسانية وناشطون في شمال غرب سوريا حملة لتسليط الضوء على معاناة الآلاف من مرضى السرطان، بعدما تعلقت رحلة علاج الكثير منهم في المشافي التركية، لأسباب فرضتها كارثة الزلزال المدمّر الذي ضرب طرفي الحدود في السادس من فبراير الماضي.

ويزيد عدد المرضى في الشمال الغربي للبلاد الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة عن 3 آلاف، بينهم 608 حالات تم تسجيلها من جانب “مديرية الصحة في إدلب” في الفترة التي أعقبت الزلزال.

ومنذ الزلزال المدمر، أغلقت تركيا معبر “باب الهوى” الذي يجتازه المرضى من أجل تلقي العلاج في المشافي على الطرف الآخر من الحدود، ورغم أنها فتحت أبوابه مجددا قبل أسابيع، إلا أن هذه العملية لم تشمل المصابين الجدد.

ولذلك جاءت الحملة من جانب الناشطين والمنظمات الإنسانية في سبيل إحداث ضغط من أجل إيجاد فرصة لإنقاذ أرواح المرضى، ولاسيما أن “السرطان لا ينتظر” وفي كل تأخير تتعقد فرص العلاج منه، بحسب ما يقول الناشط الإعلامي، عدنان الإمام.

ويضيف الإمام لموقع “الحرة” أن الحملة التي تقتصر الآن على نشر حالات المرضى ومعاناتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي من المقرر أن تتطور في الأيام المقبلة لبناء خيمة اعتصام أمام المعبر الحدود، يوم السبت المقبل.

ونشر مستخدمون في اليومين الماضيين وسوما عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” حملت عبارة “أنقذوا مرضى السرطان في شمال سوريا”، “السرطان لا ينتظر”، كما نشروا تسجيلات مصورة وثقت معاناة الكثير من المرضى، ومن بينهم الأطفال.

وفي غضون ذلك اتجه ناشطون إعلاميون لمسار آخر من أجل تسليط الضوء على معاناة المرضى، إذ أقدموا على حلق رؤوسهم وتوثيق ذلك من خلال تسجيلات مصورة نشرت بشكل فردي.

ويوضح المدير الإعلامي لمعبر باب الهوى الحدودي، مازن علوش، أن الجانب التركي استأنف منذ فترة دخول المرضى إلى مشافيه، وخاصة أولئك الذين كانوا يتلقون العلاج في المرحلة التي سبقت كارثة الزلزال.

لكنه يضيف لموقع “الحرة” أن ما سبق لم يشمل المصابين الجدد، إذ “لا يمكن السماح لهم حتى الآن بالدخول، بينما يشهد المعبر دخول 15 مريضا قديما وبشكل يومي”.

“يخوضون معركتين”

وذكر “الدفاع المدني السوري” وهو منظمة إنسانية عاملة في شمال غرب سوريا أن “أكثر من 3 آلاف من مرضى السرطان باتوا يواجهون معاناة لا يمكن تصورها، ويكافحون من أجل الحصول على الرعاية الصحية التي هم في أمس الحاجة إليها”.

وجاء في بيان له أن “هذه الأرواح الشجاعة تخوض معركتين في وقت واحد – السرطان وآثاره المدمرة، وندرة موارد الرعاية الصحية بسبب حرب نظام الأسد وروسيا، وكارثة الزلزال المدمر”.

ويجب اتخاذ إجراءات تضع حد لمعاناتهم، وتأمين العلاج المناسب والأدوية والمرافق الصحية لهم بشكل عاجل ومستدام.

وأضاف “الدفاع المدني” أن “الوصول إلى العلاج والرعاية الطبية لمرضى السرطان هو حق أساسي من حقوق الإنسان لا يمكن تجاهله، ويجب ضمان حصولهم على الرعاية التي يحتاجونها لمكافحة هذا المرض”.

وتشير إحصائيات حصل عليها موقع “الحرة” من “مديرية صحة إدلب” إلى أن مرضى السرطان في شمال غرب سوريا يتجاوز عددهم 3 آلاف، وأن 65 بالمئة منهم من النساء والأطفال.

ويتلقى نصف العدد الإجمالي علاجا كيماويا في شمال غرب سوريا، لكنهم بحاجة لعلاج إشعاعي في المشافي التركية.

وخلال الأشهر الخمسة الماضية وفي أعقاب كارثة الزلزال تم تسجيل 608 إصابات بينهم 373 طفل وامرأة وبمعدل إصابات يتجاوز 3 حالات يوميا، فيما أضافت “المديرية” أن 867 مريضا باتوا بحاجة في الوقت الحالي لتدخل علاجي فوري.

ويُستخدم معبر “باب الهوى” منذ سنوات لإدخال مساعدات عبر الحدود ترسلها الأمم المتحدة إلى إدلب، كما تمر عبره البضائع والسوريون القاطنون في تركيا ويرغبون بزيارة عائلاتهم في إدلب.

وإزاء سوء وضع المرافق الطبية التي استنزفتها سنوات الحرب الطويلة وتفتقد لتجهيزات، اعتاد الأطباء في إدلب تحويل غالبية مرضى القلب والسرطان، فضلا عن الأطفال الخدّج والمصابين بحروق شديدة، أو من يحتاجون إلى عمليات جراحية معقدة، إلى تركيا للعلاج.

لكن الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا أرهق القطاع الصحي بما فيه مستشفيات اعتاد عدد منها على استقبال مرضى إدلب.

“عبء كبير”

وفي إدلب، يوجد مركز واحد لعلاج الأورام تدعمه الجمعية الطبية السورية الأميركية (سامز)، لكنه غير قادر على استيعاب المرضى الذين بدؤوا بالتوافد إليه منذ إغلاق المعبر.

وكان “تقرير مشترك” بين المنظمات نشر في مايو الماضي قد سلط الضوء على محنة المرضى في المنطقة، حيث يتم تشخيص ما يصل إلى 3000 حالة جديدة من السرطان سنويا، مع وجود ثلاثة فقط من أطباء الأورام لرعاية 4.1 مليون نسمة.

وتشير إحصائيات خاصة بعام 2022 إلى وجود 1264 حالة مرضية بالأورام الخبيثة كانت تعبر لتلقي العلاج في الداخل التركي، وبشكل شهري سجلت الجهات الطبية هناك عبور 150 مريض من “باب الهوى” للحصول على الجرعات والخضوع للخدمات الإشعاعية.

وينقسم علاج مرضى السرطان إلى ثلاث مراحل، وفق مدير مركز التنسيق الطبي في “باب الهوى” الطبيب بشير إسماعيل، الأولى بالجرعات الكيماوية، إلى جانب العلاج المناعي والإشعاعي.

ويشرح أنه “يمكن تأمين العلاج الكيماوي معظم الجرعات إذا توفر الدعم المادي لغالبية أنواع السرطانات، بينما يحتاج عدد كبير من المرضى علاجا مناعيا تتطلب مراحله أدوية غالية الثمن”.

في غضون ذلك تفتقد مشافي الشمال السوري لجهاز الأشعة، وفي حال تم تأمينه في المرحلة المقبلة لن تحل المشكلة.

إذ تعاني المنطقة من انعدام الأطباء الاختصاصيين، بينما يشير الطبيب السوري إلى أن “تأمين الجهاز يحتاج لتكلفة مادية كبيرة جدا، ومع ذلك وبسبب فقدان الأخصائيين للعمل عليه يمكن الاستعانة بأطباء سوريين وأتراك في الداخل التركي”.

“الفئة الأكثر ضعفا”

وكانت كارثة الزلزال المدمر قد خلفت خلال الأشهر الماضية، سواء في تركيا أو سوريا، عشرات آلاف الضحايا ومئات آلاف المنكوبين والمشردين، فضلا عن آلاف المصابين في المشافي، في وقت بات القطاع الطبي مرهقا ويواجه تحديات في كلا البلدين.

وعلى اعتبار أن عبور حالات الأمراض المزمنة التي كانت تعبر من شمال سوريا إلى تركيا لتلقي العلاج في المشافي هناك لم تكن مقتصرة على مصابي السرطان، إلا أنهم الفئة الأكثر ضعفا، نظرا لندرة الأدوية وحساسية العلاجات التي يحتاجونها ضمن آلية يحكمها الزمن، دون أي تأخير.

وتعتبر الأراضي التركية المتنفس الوحيد أمام المرضى السوريين في شمال سوريا وغربها.

وعدا عن كون القطاع الطبي في هذه المنطقة يعاني الآن من مشاكل خلفها الزلزال، سبق وأن دخل في عقبات مشابهة لم ينته منها حتى الآن، في مقدمتها التفشي المستمر لمرض “الكوليرا”.

وفي حديث سابق لموقع “الحرة” قال كبير المستشارين في منظمة “سامز” الطبيب عبدالرحمن العمر إن إغلاق الحدود في وجه الإحالات الطبية الخاصة بمرضى السرطان “أسفر عن عبء كبير على المشافي والمراكز”، ما اضطرهم إلى إطلاق مركز رابع في مشفى “باب الهوى”، معني بتقديم الجرعات الكيماوية.

ويتبع للجمعية الطبية السورية – الأميركية مركز رئيسي لمرضى السرطان في مشفى المحافظة بإدلب، ومركزين آخرين في جرابلس والباب بريف حلب الشمالي.

ومع ذلك يضيف الطبيب السوري أنهم يواجهون معوقات في الوقت الحالي، ترتبط بصعوبة تأمين أدوية العلاج بالكيماوي، موضحا: “في السابق كنا نعتمد على شرائها من تركيا، لكن الآن هناك صعوبات من حيث التوفر واللوجستيات وعملية النقل”.

وترتبط معوقات أخرى بندرة الأطباء المختصين بالأورام، إذ يقتصر عددهم على 3 في كل الشمال الغربي لسوريا، بينما لا يوجد أخصائيين بأجهزة الأشعة “غير الموجودة في المنطقة بالأصل”.

ويتابع العمر: “الشمال الغربي لسوريا يفتقد لخدمة العلاج بالأشعة، بسبب عدم توفر خدمة المسرع الخطي والجهاز، إضافة إلى عدم توفر الأخصائي وهو الأهم. حتى لو تم توفير الجهاز لا يوجد أي أخصائي أو كادر يمكن تدريبه. العلاج بالأشعة اختصاص قائم بحد ذاته ومدته أربع سنوات”.

المصدر

أخبار

“أفضّل الموت على العودة”.. لاجئون سوريون في الأردن يخشون ترحيلهم قسرا

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *